الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق السدي، عن أبي مالك وعن أبي صالح من طريق مرة، عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله: {فسالت أودية بقدرها...} الآية. قال: فمر السيل على رأسه من التراب والغثاء حتى استقر في القرار وعليه الزبد، فضربته الريح فذهب الزبد جفاء إلى جوانبه فيبس فلم ينفع أحدًا، وبقي الماء الذي ينتفع به الناس، فشربوا منه وسقوا أنعامهم. فكما ذهب الزبد فلم ينفع، فكذلك الباطل يضمحل يوم القيامة فلا ينفع أهله، وكما نفع الماء فكذلك ينفع الحق أهله. هذا مثل ضربه الله.وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء رضي الله عنه في قوله: {أنزل من السماء ماء} قال: هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر: {فسالت أودية بقدرها} حتى جرى الوادي وامتلأ بقدر ما يحمل: {فاحتمل السيل زبدًا رابيًا} قال: زبد الماء.{ومما يوقدون عليه في النار} قال: زبد ما توقدون عليه من ذلك حلية، وما سقط فهو مثل زبد الماء، وهو مثل ضرب للحق والباطل. فأما خبث الحديد والذهب وزبد الماء فهو الباطل، وما تصنعوا من الحلية والماء والحديد فمثل الحق.وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ، عن عطاء رضي الله عنه قال: ضرب الله تعالى مثل الحق والباطل. فضرب مثل الحق، السيل الذي يمكث في الأرض فينتفع الناس به. ومثل الباطل، مثل الزبد الذي لا ينفع الناس. ومثل الحق، مثل الحلي الذي يجعل في النار، فما خلص منه انتفع به أهله. وما خبث منه، فهو مثل الباطل علم أن لا ينفع الزبد، وخبث الحلي أهله، فكذلك الباطل لا ينفع أهله.وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها} قال: الصغير بصغيره، والكبير بكبره،: {فاحتمل السيل زبدًا رابيًا} قال: عاليًا: {ومما يوقدون...} إلى قوله: {فيذهب جفاء} والجفاء، ما يتعلق بالشجر: {وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض} هذه ثلاثة أمثال ضربها الله تعالى في مثل واحد، يقول: كما اضمحل هذا الزبد فصار جفاء لا ينتفع به ولا يرجى بركته، كذلك يضمحل الباطل عن أهله. وكما مكث هذا الماء في الأرض فأمرعت وربت بركته وأخرجت نباتها، كذلك يبقى الحق لأهله. وقوله: {ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية} كما يبقى خالص هذا الذهب والفضة حين أدخل النار، كذلك فيذهب خبثه، كذلك يبقى الحق لأهله. وكما اضمحل خبث هذا الذهب والفضة حين أدخل في النار، كذلك يضمحل الباطل عن أهله. وقوله: {أو متاع زبد مثله} يقول هذا الحديد وهذا الصفر حين دخل النار وذهبت بخبثه، كذلك يبقى الحق لأهله كما بقي خالصهما.وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {فسالت أودية بقدرها} قال: الكبير بقدره والصغير بقدره: {زبدًا رابيًا} قال: ربا فوق الماء الزبد: {ومما توقدون عليه في النار} قال: هو الذهب، إذا ادخل النار بقي صفوه وذهب ما كان فيه من كدر. وهذا مثل ضربه الله للحق والباطل: {فأما الزبد فيذهب جفاء} يتعلق بالشجر ولا يكون شيئًا، هذا مثل الباطل: {وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض} هذا يخرج النبات، وهذا مثل الحق: {أو متاع زبد مثله...} قال: المتاع الصفر والحديد.وأخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها} قال: بملئها ما أطاقت: {فاحتمل السيل زبدًا رابيًا} قال: انقضى الكلام، ثم استقبل فقال: {ومما توقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله} قال: المتاع الحديد والنحاس والرصاص وأشباهه: {زبد مثله} قال: خبث ذلك الحديد، والحلية مثل زبد السيل: {وأما ما ينفع الناس} من الماء: {فيمكث في الأرض} وأما الزبد: {فيذهب جفاء} قال: جمودًا في الأرض، قال: فكذلك مثل الحق والباطل.وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {أنزل من السماء ماء} الآية. قال: ابتغاء حلية الذهب والفضة، أو متاع الصفر والحديد. قال: كما أوقد على الذهب والفضة والصفر والحديد خلص خالصه، كذلك بقي الحق لأهله فانتفعوا به.وأخرج أبو الشيخ عن ابن عيينة رضي الله عنه في قوله: {أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها} قال: أنزل من السماء قرآنًا فاحتمله عقول الرجال.وأخرج ابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {للذين استجابوا لربهم الحسنى} قال: الحياة والرزق. اهـ.
وقيل: هو ما يَحْتمله السَّيلُ مِنْ غُثاءٍ ونحوه، وما يرمي به على ضفَّته من الحَباب. وقيل: هو ما يَطْرحُه الوادي إذا جاش ماؤه، وارتفعت أمواجُه. وهي عباراتٌ متقاربة. والزُّبَد: المستخرجُ من اللبن. قيل: مشتقٌّ مِنْ هذا لمشابَهَتِه إياه في اللون، ويقال: زَبَدْتُه زَبْدًا، أي: أعطيته مالًا، يُضرب به المثلُ في الكثرةِ، وفي الحديث: «غُفِرَتْ له ذنوبُه وإن كانت مِثْلَ زَبَد البحر».قوله: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ} هذا الجارُّ خبر مقدَّمٌ، ومبتدَؤه: {زَبَدٌ}. و: {مثلُه} صفةُ المبتدأ، والتقدير: ومن الجواهرِ التي هي كالنحاس والذهب والفضة زَبَدٌ، أي: خَبَثٌ مثلُه، أي: مثلُ زَبَدِ الماء، ووجهُ المماثلةِ: أنَّ كلًا منهما ناشئٌ مِن الأَكْدار.وقَرَأَ الأخَوانِ وحفصٌ: {يُوقِدُوْن} بالياء من تحت، أي: الناسُ، والباقون بالتاء مِنْ فوقُ على الخطاب.و{عليه} متعلقٌ ب: {يُوْقِدون}. وأمَّا: {في النار} ففيه وجهان، أحدُهما: أنه متعلقٌ ب يوقِدون، وهو قول الفارسيِّ والحوفيِّ وأبي البقاء. الثاني: أنه متعلقٌ بمحذوف، أي: كائنًا أو ثابتًا، قاله مكي وغيره. ومنعوا تعلُّقه ب: {يُوقِدُون} لأنهم زعموا أنه لا يُوْقَد على شيء إلا وهو في النار، وتعليقُ حرفِ الجر ب: {يُوْقِدون} يقتضي تخصيصَ حالٍ من حالٍ أخرى. وهذا غيرُ لازمٍ. قال أبو علي: قد يُوْقَد على الشيء وإن لم يكنْ في النارِ، كقولِه تعالى: {فَأَوْقِدْ لِي ياهامان عَلَى الطين} [القصص: 38] والطِّين لم يكن فيها، وإنما يُصيبُه لَهَبُها، وأيضًا فقد يكونُ ذلك على سبيلِ التوكيدِ كقوله تعالى: {وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38].قوله: {ابتغاءَ} فيه وجهان، أظهرُهما: أنه مفعولٌ مِنْ اجله. والثاني: أنه مصدرٌ في موضع الحال، أي: مُبْتَغِين حِلْية، و: {حِلْيةٍ} مفعولٌ معنىً. {أو متاعٍ} نَسَقٌ على: {حِلْيةٍ}، فالحلْيَةُ ما يُتَزَيَّن به، والمَتَاع: مَا يَقْضُون به حوائِجَهم كالمَساحي من الحديد ونحوِها. و: {مِنْ} في قوله: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ} تحتمل وجهين، أحدُهما: أن تكونَ لابتداءِ الغاية، أي: ومنه ينشأ زَبَدٌ مثلُ زَبَدِ الماء. والثاني: أنها للتبعيضَ، بمعنى: وبَعْضُه زَبَدٌ.قوله: {جُفاءً} حال. والجُفَاءُ: قال ابن الأنباري: {المتفرِّقُ}. يقال: جَفَأَتِ الريحُ السحابَ، أي: قَطَعَتْه وفَرَّقته. وقيل: الجُفاء: ما يَرْمِي به السَّيْلُ. يُقال: جَفَأَتِ القِدْرُ بزَبَدِها تَجْفَأُ، وجَفَأَ السَّيْلُ بزَبَدِه وأَجْفَأَ وأَجْفَلَ، وباللامِ قرأ رُؤبة بن العجاج. قال أبو حاتم: لا يُقرأ بقراءةِ رؤبة، لأنه كان يأكلُ الفارَ. يعني أنه أعرابيٌّ جافٍ. قلت: قد تقدَّم ثناءُ الزمخشري عيله أولَ البقرة، وذِكْرُ فصاحتِه. وقد وجَّهوا قراءَتَه بأنها مِنْ أَجْفَلَتِ الريحُ الغنمَ، أي: فَرَّقَتْه قِطَعًا فهي في المعنى كقراءةِ العامَّة بالهمزة.وفي همزة: {جُفاء} وجهان، أظهرهُما: أنها أصلٌ لثبوتِها في تصاريف هذه المادةِ كما رأيتَ. والثاني: بدلٌ من واو، وكأنه مختارُ أبي البقاء وفيه نظرٌ؛ لأنَّ مادة جفا يَجْفو لا يليق معناها هنا، والأصلُ عدمُ الاشتراكِ. قوله: {كذلك يَضْرِب} الكافُ في محلِّ نصبٍ، أي: مثلَ ذلك الضَّرْبِ يَضْرِب. اهـ.
. اهـ.
|