الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **
قيسارية الفاضل: هذه القيسارية على يمنة من يدخل من باب زويلة عرفت بالقاضي الفاضل عبد الرحيم بن عليّ البيسانيّ وهي الآن في أوقاف المارستان المنصوريّ أخبرني شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد العزيز العذريّ البشبيشيّ رحمه الله قال: أخبرني القاضي بدر الدين أبو إسحاق إبراهيم بن القاضي صدر الدين أبي البركات أحمد بن فخر الدين أبي الروح عيسى بن عمر بن خالد بن عبد المحسن المعروف بابن الخشاب: أن قيسارية الفاضل وُقفت بضع عشرة مرّة منها مرّتين أو أكثر زف كتاب وقفها بالأغاني في شارع القاهرة وهي الآن تشتمل على قيسارية ذات بحرة ماء للوضوء بوسطها وأخرى بجانبها يباع فيها جهاز النساء وشوارهنّ ويعلو ربع فيه عدّة مساكن.
: هذه القيسارية على رأس باب الجودرية من القاهرة كان موضعها دارًا تُعرف بدار الأنماط اشتراها وما حولها الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكيريّ قبل ولايته السلطنة وهدمها وعمر موضعها هذه القيسارية والربع فوقها وتولى عمارة ذلك مجد الدين بن سالم الموقع فلما كملت طلب سائر تجارة قيسارية جهاركس وقيسارية الفاضل وألزمهم بإخلاء حوانيتهم من القيساريتين وسكناهم بهذه القيسارية وأكرههم على ذلك وجعل أجرة كل حانوت منها مائة وعشرين درهمًا نقر فلم يسع التجار استئجار حوانيتهم وصار كثير منهم يقوم بأجرة الحانوت الذي ألزم به في هذه القيسارية من غير أن يترك حانوته الذي هو معه بإحدى القيساريتين المذكورتين ونقل أيضًا صناع الأخفاف وأسكنهم في الحوانيت التي خارجها فعمرت من داخلها وخارجها بالناس في يومين وجاء إلى مخدومه الأمير بيبرس وكان قد ولي السلطنة وتقلب بالملك المظفر وقال: بسعادة السلطان أسكنت القيسارية في يوم واحد فنظر إليه طويلًا وقال: يا قاضي إن كنت أسكنتها في يوم واحد فهي تخلو في ساعة واحدة. فجاء الأمر كما قال وذلك أنه لما فرّ بيبرس من قلعة الجبل لم يبت في هذه القيسارية لأحد من سكانها قطعة قماش بل نقلوا كل ما كان لهم فيها وخلت حوانيتها مدّة طويلة ثم سكنها صنّاع الأخفاف كل حانوت بعشرة دراهم وفي حوانيتها ما أجرته ثمانية دراهم وهي الآن جارية في أوقاف الخانقاه الركنية بيبرس ويكنها صناع الأخفاف وأكثر حوانيتها غير مسكون لخرابها ولقلة الاخفافيين ويعرف الخط الذي هي فيه اليوم بالأخفافيين رأس الجودرية. القيسارية الطويلة: هذه القيسارية في شارع القاهرة بسوق الخردفوشيين فيما بين سوق المهامزيين وسوق الجوخيين ولها باب آخر عند باب سر حمّام الخرّاطين كانت تعرف قديمًا بقيسارية السروج بناها. . فيسارية. . . : هذه القيسارية تجاه قيسارية السروج المعروفة الآن بالقيسارية الطويلة بعضها وقفه القاضي الأشرف بن القاضي الفاضل عبد الرحيم بن عليّ البيسانيّ على ملء الصهريج بدرب ملوخيا بعضها وقف الصالح طلائع بن رزيك الوزير وقد هدمت هذه القيسارية وبناها الأمير جاني بك دوادار السلطان الملك الأشرف برسباي الدقاقيّ الظاهريّ في سنة ثمان وعشرين وثمانمائة تربيعة تتصل بالوراقين ولها باب من الشارع وجعل علوها طباقًا وعلى بابها حوانيت فجاءت من أحسن المباني. قيسارية العصفر: هذه القيسارية بشارع القاهرة لها باب من سوق المهامزيين وباب من سوق الورّاقين عُرفت بذلك من أجل أن العصفر كان يدق بها. أنشأها الأمير علم الدين سنجر المسروريّ المعروف بالخياط وإلي القاهرة ووقفها في سنة اثنتين وتسعين وستمائة ولم تزل باقية بيد ورثته إلى أن ولي القاضي ناصر الدين محمد بن البارزيّ الحمويّ كتابة السرّ في أيام المؤيد شيخ فاستأجرها مدّة أعوام من مستحقيها ونقل إليها العنبريين فصارت قيسارية عنبر وذلك في سنة ست عشرة وثمانمائة ثم انتقل منها أهل العنبر إلى سوقهم في سنة ثماني عشرة وثمانمائة. قيسارية العنبر: قد تقدذم في ذكر الأسواق أنها كانت سجنًا وأن الملك المنصور قلاون عمّرها في سنة ثمانين وستمائة وجعلها سوق عنبر. قيسارية الفائزي: هذه القيسارية كانت بأوّل الخرّاطين مما يلي المهامزيين لها باب من المهامزيين وباب من الخرّطين: أنشأها الوزير الأسعد شرف الدين أبو القاسم هبة الله بن صاعد بن وهيب الفارسيّ كان من ملة نصارى صعيد مصر وكتب على مبايض ناحية سيوط بدرهم وثلث في كل يوم ثم قدم إلى القاهرة وأسلم في أيام الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب وخدم عند الملك الفائز إبراهيم بن الملك العادل فنسب إليه وتولى نظر الديوان في أيام الملك الصالح نجم الدين أيوب مدّة يسيرة ثم ولى بعض أعمال ديار مصر فنقل عنه ما أوجب الكشف عليه فندب موفق الدين الأمديّ لذلك فاستقرّ عوضه وسجنه مدّة ثم أفرج عنه وسافر إلى دمشق وخدم بها الأمير جمال الدين يغمور نائب السلطنة بدمشق بعد موت أبيه ليأخذ مملكة مصر سار معه إلى مصر في شوال سنة سبع وأربعين وستمائة فلما قامت شجرة بتدبير المملكة بعد قتل المعظم تعلق بخدمة الأمير عز الدين آيبك التركمانيّ مقدّم العساكر إلى أن تسلطن وتلقب بالملك المعز فولاه الوزارة في سنة ثمان وأربعين وستمائة فأحدث مظالم كثيرة وقرّر على التجار وذوي اليسار أموالًا تجبى منهم وأحدث التقويم والتصقيع على سائر الأملاك وجبى منها مالًا جزيلًا ورتّب مكوسًا على الدواب من الخيل والجمال والحمير وغيرها وعلى الرقيق من العبيد والجواري وعلى سائر المبيعات وضمن المنكرات من الخمر والمزر والحشيش وبيوت الزواني بأموال وسمى هذه الجهات بالحقوق السلطانية والمعاملات الديوانية وتمكن من الدولة تمكنًا زائدًا إلى الغاية بحيث أنه سار إلى بلاد الصعيد بعساكر لمحاربة بعض الأمراء وكان الملك المعز أيبك يكاتبه بالمملوك وكثر ماله وعقاره حتى أنه لم يبلغ صاحب قلم في هذه الدول ما بلغه من ذلك واقتنى عدّة مماليك منهم من بلغ ثمنه ألف دينار مصرية وكان يركب في سبعين مملوكًا من مماليكه سوى أرباب الأقلام والأتباع وخرج بنفسه إلى أعمال مصر واستخرج أموالها وكان ينوب عنه في الوزارة زين الدين يعقوب بن الزبير وكان فاضلًا يعرف اللسان التركي فصار يضبط له مجالس الأمراء ويعرّفه ما يدور بينهم من الكلام فلم يزل على تمكنه وبسط يده وعظم شأنه إلى أن قُتل الملك المعز وقام من بعده ابنه الملك المنصور نور الدين عليّ وهو صغير فاستقرّ على عادته حتى شهد عليه الأمير سابق الدين بوزبا الصيرفيّ والأمير ناصر الدين محمد بن الأطروش الكرديّ أمير جاندار أنه قال المملكة لا تقوم بالصبيان الصغار والرأي أن يكون الملك الناصر صاحب الشام ملك مصر وأنه قد عزم على أن يسير إليه يستدعيه إلى مصر ويساعده على أخذ المملكة فخافت أمّ السطان منه وقبضت عليه وحبسته عندها بقلعة الجبل ووكلت بعذابه الصارم أحمر عينه العماديّ الصالحي فعاقبه عقوبة عظيمة ووقعت الحوطة على سائر أمواله وأسبابه وحواشيه وأخذ خطه بمائة ألف دينار ثم خنق لليال مضت من جمادى الأولى سنة خمس وخمسين وستمائة ولفّ في نخ ودفن بالقرافة. واستقرّ من بعده في الوزارة قاضي القضاة بدر الدين السنجاريّ مع ما بيده من قضاء القضاة ولم تزل هذه القيسارية باقية وكانت تعرف بقيسارية النشاب إلى أن أخذها الأمير جمال الدين يوسف الاستادار هي والحوانيت على يُمنة من سلك من الخرّاطين يريد الجامع الأزهر وفيما بينهما كان باب هذه القيسارية وكانت هذه الحوانيت تعرف بوقف تمرتاش وهدم الجميع وشرع في بنائه فقتل قبل أن يكمل وأخذه الملك الناصر فرح فبنيت الحوانيت التي هي على الشارع بسوق المهامزيين وصار ما بقي ساحة عمرها القاضي زين الدين عبد الباسط بن خليل الدمشقي ناظر الجيش قيسارية يعلوها ربع وبنى أيضًا على حوانيت جمال الدين ربعًا وذلك في سنة خمس وعشرين وثمانمائة. وقال الإمام عفيف الدين أبو الحسن عليّ بن عدلان يمدح الأسعد الفائزيّ رحمه الله ابن صاعد وابنه المرتضى: مذ تولى أمورنا لم أزل منه ذاهبه وهو إنّ دام أمرُهُ شدّة العيش ذاهبه قيسارية بكتمر: هذه القيسارية بسوق الحريريين بالقرب من سوق الوراقين كانت تعرف قديمًا بالصاغة ثم صارت فندقًا يقال له فندق حكم وأصلها من جملة الدار العظمى التي تعرف بدار المأمون بن البطائحي وبعضها المدرسة السيوفية. أنشأ هذه القيسارية الأمير بكتمر الساقي في أسام الناصر محمد بن قلاوون. قيسارية ابن يحيى: هذه القيسارية كانت تجاه باب قيسارية جهاركس حيث سوق الطيور وقاعات الحلوى أنشأها القاضي المفضل هبة الله بن يحيى التميميّ المعدّل كان موثقًا كاتبًا في الشروط الحكمية في حدود سنة أربعين وخمسمائة في الدولة الفاطمية ثم صار من جملة العدول وبقي إلى سنة ثمانين وله ابن يقال له كمال الدين عبد المجيد القاضي المفضل ولكمال الدين ابن يقال له جلال الدين محمد بن كمال الدين هبد المجيد بن القاضي المفضل هبة الله بن يحيى مات في آخر سنة ستين وسبعمائة وقد خربت هذه القيسارية ولم يبق لها أثر. قيسرية طاشتمر: هذه القيسارية بجوار الوراقين لها باب كبير من سوق الحريريين على يسرة من سلك إلى الزجاجين وباب من الوراقين. أنشأها الأمير طاشتمر في أعوام بضع وثلاثين وسبعمائة وسكنها عقادوا الأزرار حتى غصت بهم مع كبرها وكثر حوانيتها وكان لهم منظر بهيج فإنّ أكثرهم من بياض الناس وتحت يد كل معلم عدّة صبيان من أولاد الأتراك وغيرهم فطالما مررت منها إلى سوق الوراقين وداخلني حياء من كثرة من أمرّ به هناك ثم لما حدثت المحن في سنة ست وثمانمائة تلاشى أمرها وخرب الربع الذي كان علوها وبيعت أنقاضه وبقيت فيها اليوم بقية يسيرة. قيساريةالفقراء: هذه القيسارية خارج باب زويلة بخط تحت الربع أنشأها. قيسرية المحسني: خارج باب زويلة تحت الربع أنشأها الأمير بدر الدين بيلبك المحسني والي الإسكندرية ثم والي القاهرة كان شجاعًا مقدامًا فأخرجه الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى الشام وبها مات في سنة سبع وثلاثين وسبعمائة فأخذ ابنه الأمير ناصر الدين محمد بن بيلبك المحسني إمرته فلما مات الملك الناصر قدم إلى القاهرة وولاه الأمير قوصون ولاية القاهرة في سابع عشر صفر سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة فلما قبض على قوصون في يوم الثلاثاء آخر شهر رجب منها أمسك ابن المحسني وأعيد نجم الدين إلى ولاية القاهرة ثم عزل من يومه وولي الأمير جمال الدين يوسف والي الجيزة فأقام أربعة أيام وعزل بطلب العامّة عزله ورجمه فأعيد نجم الدين. قيسارية الجامع الطولوني: هذه القيسارية كان موضعها في القديم من جملة قصر الإمارة الذي بناه الأمير أبو العباس أحمد بن طولون وكان يخرج منه إلى الجامع من باب في جداره القبليّ فلما خرب صار ساحة أرض فعمر فيها القاضي تاج الدين المناوي خليفة الحكم عن قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن جماعة قيسارية في سنة خمسين وسبعمائة من فائض مال الجامع الطولوني فكمل فيها ثلاثون حانوتًا فلما كانت ليلة النصف من شهر رمضان من هذه السنة رأى شخص من أهل الخير رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه وقد وقف على باب هذه القيسارية وهو يقول: بارك الله لمن يسكن هذه القيسارية وكرّر هذا القول ثلاث مرّات. فلما قص هذه الرؤيا رغب الناس في سكناها وصارت إلى اليوم هي وجميع ذلك السوق في غاية العمارة وفي سنة ثمان عشرة وثمانمائة أنشأها قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن بن شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن نصير بن رسلان البلقينيّ من مال الجامع المذكور قيسارية أخرى فرغب الناس في سكناها لوفور العمارة بذلك الخط. قيسارية ابن ميسر الكبرى: هذه القيسارية أدركتها بمدينة مصر في خط سويقة وردان وهي عامرة يباع بها القماش الجديد من الكتان الأبيض والأزرق والطرح وتمضي تجار القاهرة إليها في يومي الأحد والأربعاء لشراء الأصناف المذكورة وذكر ابن المتوّج أن لها خمسة أبواب وأنها وقف ثم وقعت الحوطة عليها فجرت في الديوان السلطانيّ وقصدوا بيعها مرارًا فلم يقدر أحد على شرائها وكان بها عُمدُ رُخام فأخذها الديوان وعوّضت بعمد كدان وأنه شاهدها مسكونة جميعها عامرة. انتهى. وقد خرب ما حولها بعد سنة ستين وسبعمائة وتزايد الخراب حتى لم يبق حولها سوى كيمان فعمل لها باب واحد وتردّد الناس إلهيا في اليومين المذكورين لا غير فلما كانت الحوادث منذ سنة ست وثمانمائة واستولى الخراب على أقليم مصر تعطلت هذه القيسارية ثم هدمت في سنة ست عشرة وثمانمائة. قيسارية عبد الباسط: هذه القيسارية براس الخرّاطين من القاهرة كان موضعها يُعرف قديمًا بعقبة الصباغين ثم عرف بالقشاشين ثم عرف بالخرّاطين وكان هناك مارستان ووكالة في الدولة الفاطمية وأدركنا بها حوانيت تعرف بوقف تمرتاش المعظميّ فأخذها الأمير جمال الدين الأستادار فيما أخذ من الأوقاف فلما قتل أخذ الناصر فرج جانبًا منها وجدّد عمارتها ووقفها على تربة أبيه الظاهر برقوق ثم أخذها زين الدين عبد الباسط بن خليل في أيام المؤيد شيخ وعمل في بعضها هذه القيسارية وعلوها ووقفها على مدرسته وجامعه ثم أخذ السلطان الملك الأشرف برسباي بقية الحوانيت من وقف جمال الدين وجدّد عمارتها في سنة سبع وعشرين وثمانمائة. الخانات والفنادق خان مسرور خان مسرور مكانان أحدهما كبير والآخر صغير فالكبير على يُسرة من سلك من سوق باب الزهومة إلى الحريريين كان موضعه خزانة الدرق التي تقدّم ذكرها في خزائن القصر والصغير على يُمنة من سلك من سوق باب الزهومة إلى الجامع الأزهر كان ساحة يباع فيها الرقيق بعدما كان موضع المدرسة الكاملية هو سوق الرقيق. قال ابن الطوير: خزانة الدرق كانت في المكان الذي هو خان مسرور وهي برسم استعمالات الأساطيل من الكبورة الخرجية والخود الجلودية وغير ذلك. وقال ابن عبد الظاهر فندق مسرور مسرور هذا من خدّام القصر خدم الدولة المصرية واختص بالسلطان صلاح الدين رحمه الله وقدّمه على حلقته ولم يزل مقدّمًا في كل وقت وله برّ وإحسن ومعروف ويقصد في كل حسنة وأجر وبرّ وبطل الخدمة في الأيام الكاملية وانقطع إلى الله تعالى ولزم داره ثم بنى الفندق الصغير إلى جانبه وكان قبل بنائه ساحة يباع فيها الرقيق اشترى ثلثها من والدي رحمه الله والثلثين من ورثة ابن عنتر وكان قد ملك الفندق الكبير لغلامه ريحان وحبسه عليه ثم من بعده على الأسرى والفقراء بالحرمين وهو مائة بيت إلاّ بيتًا وبه مسجد تقام فيه الجماعة والجمع ولمسرور المذكور برّ كثير بالشام وبمصر وكان قد وصى أن تعمل داره وهي بخط حارة الأمراء مدرسة ويوقف الفندق الصغير عليها وكانت له ضيعة بالشام بيعت للأمير سيف الدين أبي الحسن القيمريّ بجملة كبيرة وعمرت المدرسة المذكورة بعد وفاته. انتهى. وقد أدركت فندق مسرور الكبير في غاية العمارة تنزله أعيان التجار الشاميين بتجاراتهم وكان فيه أيضًا مودع الحكم الذي فيه أموال اليتامى والغياب وكان من أجلّ الخانات وأعظمها فلما كثرت المحن بخراب بلاد الشام منذ سنة تيمورلنك وتلاشت أحوال إقليم مصر قلّ التجار وبطل مودع الحكم فقلَّت مهابة هذا الخان وزالت حرمته وتهدّمت عدّة أماكن منه وهو الآن بيد القضاة. فندق بلال المغيثي هذا الفندق فيما بين خط حمّام خشيبة وحارة العدوية أنشأه الأمير الطواشي أبو المناقب حسام الدين بلال المغيثي أحد خدّام الملك المغيث صاحب الكرك كان حبشيّ الجنس حالك السواد خدم عدة من الملوك واستقرّ لالا الملك الصالح عليّ بن الملك المنصور قلاوون وكان معظمًا إلى الغاية يجلس فوق جميع أمراء الدولة وكان الملك المنصور قلاوون إذا رآه يقول: رحم الله أستاذنا الملك الصالح نجم الدين أيوب أنا كنت أحمل شارموزة هذا الطواشي حسام الدين كلما دخل إلى السلطان الملك الصالح حتى يخرج من عنده فأقدّمها له وكان كثير البرّ والصدقات وله أموال جزيلة ومدحه عدّة من الشعراء وأجاز على المديح وتجاوز عمره ثمانين سنة فلما خرج الملك الناصر محمد بن قلاون لقتال التتر في سنة تسع وتسعين وستمائة سافر معه فمات بالسوادة ودفن بها ثم نقل منها بعد وقعة شقحب إلى تربته بالقرافة فدفن هناك وما برح هذا الفندق يودع فيه التجار وأرباب الأموال صناديق المال ولقد كنت أدخل فيها فإذا بدائرة صناديق مصطفة ما بين صغير وكبير لا يفضل عنها من الفندق غير ساحة صغيرة بوسط وتشتمل هذه الصناديق من الذهب والفضة على ما يجلذ وصفه فلما أنشأ الأمير الطواشي زين الدين مقبل الزمام الفندق بالقرب منه وأنشأ الأمير قلمطاي الفندق بالزجاجين وأخذ الأمير يلبغا السالميّ أموال الناس في واقعة تيمورلنك في سنة ثلاث وتمانمائة تلاشى أمر هذا الفندق وفيه إلى الآن بقية. هذا الفندق بجوار باب القوس الذي كان أحد بابي زويلة فمن سلك اليوم من المسجد المعروف بسام بن نوح يريد باب زويلة صار هذا الفندق على يساره وأنشأه هو وما يعلوه من الربع الملك الصالح علاء الدين عليّ بن السطلان الملك المنصور قلاون وكان أبوه لما عزم على المسير إلى محاربة التتر ببلاد الشام سلطنه وأركبه بشعار السطلنة من قلعة الجبل في شهر رجب سنة تسع وسبعين وستمائة وشق به شارع القاهرة من باب النصر إلى أن عاد إلى قلعة الجبل وأجلسه على مرتبته وجلس إلى جانبه فمرض عقيب ذلك ومات ليلة الجمعة الرابع من شعبان فأظهر السلطان لموته جزعًا مفرطًا وحزنًا زائدًا وصرخ بأعلى صوته واولداه ورمى كلوتته عن رأس إلى الأرض وبقي مكشوف الرأس إلى أن دخل الأمراء إليه وهو مكشوف الرأس يصرخ واولداه فعندما عاينوه كذلك ألقوا كلوتاتهم عن رؤوسهم وبكوا ساعة ثم أخذ الأمير طرنطاي النائب شاش السلطان من الأرض وناوله للأمير سنقر الأشقر فأخذه ومشى وهو مكشوف الرأس وباس الأرض وناول الشاش للسلطان فدفعه وقال: ايش أعمل بالملك بعد ولدي وامتنع من لبسه فقبّل الأمراء الأرض يسألون السلطان في لبس شاشه ويخضعون له في السؤال ساعة حتى أجابهم وغطى رأسه فلما أصبح خربت جنازته من القلعة ومعها الأمراء من غير حضور السلطان وصاروا بها إلى تربة أمه المعروفة خاتون قريبًا من المشهد النفيسيّ فواروه وانصرفوا فلما كان يوم السبت ثانية نزل السلطان من القلعة وعليه البياض تحزنًا على ولده وسار ومعه الأمراء بثياب الحزن إلى قبر ابنه وأقيم العزاء لموته عدّة أيام. خان السبيل هذا الخان خارج باب الفتوح قال ابن عبد الظاهر: خان السبيل بناه الأمير بهاء الدين أبو سعيد قراقوش بن عبد الله الأسديّ خادم أسد الدين شيركوه وعتيقه لأبناء السبيل والمسافرين بغير أجرة وبه بئر ساقية وحوض. وقراقوش هذا: هو الذي بنى السور المحيط بالقاهرة ومصر وما بينهما وبنى قلعة الجبل وبنى القناطر التي بالجيزة على طريق الأهرام وعمر بالمقس رباطًا وأسره الفرنج في عكا وهو واليها فافتكه السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بعشرة آلاف دينار وتوفي مستهل رجب سنة سبع وسبعين وخمسمائة ودفن بسفح الجبل المقطم من القرافة. خان منكورش هذا الخان بخط سوق الخيميين بالقرب من الجامع الأزهر. قال ابن عبد الظاهر: خان منكورش بناه الأمير ركن الدين منكورش زوج أمّ الأوحد بن العادل ثم انتقل إلى ورثته ثم انتقل إلى الأمير صلاح الدين أحمد بن شعبان الأبلي. فوقفه ثم تحيل ولده في إبطال وقفه فاشتراه منه الملك الصالح بعشرة آلاف دينار مصرية وجعله مرصدًا لوالدة خليل ثم أنتقل عنها. انتهى. قال مؤلف: ومنكورش هذا كان أحد مماليك السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب وتقدّم حتى صار أحد الأمراء الصالحية وعرف بالشجاعة والنجدة وإصابة الرأي وجودة الرمي وثبات الجأش فلما مات في شوّال سنة سبع وسبعين وخمسمائة أخذ إقطاعه الأمير ياركوج الأسديّ وهذا الخان الآن يعرف بخان النشارين على يُسرة من سلك من الخراطين إلى الخيميين وهو وقف على جهات برّ. فندق ابن قريش هذا الفندق قال ابن عبد الظاهر: فندق ابن قريش استجدّه القاضي شرف الدين إبراهيم بن قريش كاتب الإنشاء إلى ورثته. انتهى. إبراهيم بن عبد الرحمن بن عليذ بن عبد العزيز بن عليّ بن قريش: أبو إسحاق القرشيّ المخزوميّ المصريّ الكاتب شرف الدين أحد الكتاب المجيدين خطًا وإنشاءً خدم في دولة الملك العادل أبي بكر بن أيوب وفي دولة ابنه الملك الكامل محمد بديوان الإنشاء وسمع الحديث بمكة ومصر وحدّث وكانت ولادته بالقاهرة في أوّل يوم من ذي القعدة سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة وقرأ القرآن وحفظ كثيرًا من كتاب المهذب في الفقه على مذهب الإمام الشافعيّ وبرع في الأدب وكتب بخطه ما يزيد على أربعمائة مجلد ومات في الخامس والعشرين من جمادى الأولى سنة ثلاث وأربعين وستمائة. وكالة قوصون هذه الوكالة في معنى الفنادق والخانات ينزلها التجار ببضائع بلاد الشام من الزيت والشيرج والصابون والدبس والفستق والجوز واللوز والخرنوب والرب ونحو ذلك وموضعها فيما بين الجامع الحاكميّ ودار سعيد السعداء كانت أخيرًا دارًا تُعرف بدار تعويل البوغاني فأخربها وما جاورها الأمير قوصون وجعلها فندقًا كبيرًا إلى الغاية وبدائره عدة مخازن وشرط أن يؤجر كل مخزن إلا بخمسة دراهم من غير زيادة على ذلك ولا يخرج أحد من مخزنه فصارت هذه المخازن تتوارث لقلة أجرتها وكثرة فوائدها وقد أدركنا هذه الوكالة وأن رؤيتها من داخلها وخارجها لتدهش لكثرة ما هنالك من أصناف البضائع وازدحام الناس وشدّة أصوات العتالين عند حمل البضائع ونقلها لمن يبتاعها ثم تلاشى أمرها منذ خربت الشام في سنة ثلاث وثمانمائة على يد تيمورلنك وفيها إلا الآن بقية ويعلوا هذه الوكالة رباع تشتمل على ثلثمائة وستين بيتًا أدركناها عامرة كلها ويحزر أنها تحوي نحو أربعة آلاف نفس ما بين رجل وامرأة وصغير وكبير فلما كانت هذه المحن في سنة ست وثمانمائة خرب كثير من هذه البيوت وكثير منها عامر آهل. هذه الدار هي فندق تجاه باب زويلة يرد إليه الفواكه على اختلاف أصنافها مما ينبت في بساتين ضواحي القاهرة ومن التفاح والكمثري والسفرجل الواصل من البلاد الشامية إنما يباع في وكالة قوصون إذا قدم ومنها ينقل إلى سائر أسواق القاهرة ومصر ونواحيهما إنما يباع في وكالة قوصون إذا قدم ومنها ينقل إلى سائر أسواق القاهرة ومصر ونواحيهما وكان موضع دار التفاح هذه في القديم من جملة حارة السودان التي عملت بستانًا في أيام السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب. وأنشأ هذه الدار الأمير طقوزدمر بعد سنة أربعين وسبعمائة ووقفها على خانقاه بالقرافة وبظاهر هذه الدار عدّة حوانيت تباع فيها الفاكهة تذكر رؤيتها وشمّ عرفها الجنة لطيبها وحسن منظرها وتأنق الباعة في تنضيدها واحتفافها بالرياحين والأزهار وما بين الحوانيت مسقوف حتى لا يصل إلى الفواكه حرّ الشمس ولا يزال ذلك الموضع غضًا طريًا إلاّ أنه قد اختل منذ سنة ست وثمانمائة وفيه بقية ليست بذاك ولم تزل إلى أن هُدم علو الفندق وما بظاهره من الحوانيت في يوم السبت سادس عشر شعبان سنة إحدى وعشرين وثمانمائة وذلك أن الجامع المؤيديّ جاءت شبابيكه الغربية من جهة دار التفاح فعمل فيها كما صار يعمل في الأوقاف وحكم باستبدالها ودفع في ثمن نقضها ألف دينار إفريقية عنها مبلغ ثلاثين ألف مؤيديّ فضة ويتحصل من أجرتها إلى أن ابتدىء بهدمها في كل شهر سبعة آلاف درهم
|