الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.الخبر عن مهلك رئيس الدولة أبي عبد الله بن أبي الحسين وأبي سعيد العود الرطب. أصل هذا الرجل من بني سعيد رؤسا القلعة المجاورة لغرناطة وكان كثير منهم قد استعملوا أيام الموحدين بالعدوتين وكان جده أبو الحسن سعيد صاحب الأشغال بالقيروان ونشأ حافده محمد هذا في كفالته ولما عزل وقفل إلى المغرب هلك ببونة سنة أربع وستمائة ورجع حافده محمد إلى تونس والشيخ أبو محمد بن أبي حفص صاحب أفريقية لذلك العهد فاغتلق بخدمة ابنه أبي زيده ولما ولي المر بعد وفاة أبيه غلب محمد هذا على هواه ثم جاء السيد أبو علي من مراكش وعلى أفريقية محمد ابن أبي الحسين في جملته إلى أن هلك في حصار هسكورة بمراكش كما قدمناه ورجع ابن أبي الحسين إلى تونس واتصل بالأمير أبي زكريا لأول استبداده فغلب على هواه وكان مبختا في صحابة الملوك ولما ولي المستنصر أجراه على سنته برهة ثم تنكر له إثر كائنة اللحياني وعظمت سعاية أعدائه من الباطنية وأشاعوا مداخلته لأبي القاسم بن عزومة أبي زيد ابن الشيخ أبي محمد فنكبه السلطان واعتقله بدارة تسعة أشهر ثم سرحه وأعاده إلى مكانه وثأر من أعدائه واستولى على أمور السلطان إلى أن هلك سنة إحدى وسبعين وستمائة وكلف ابن عمه سعيد بن يوسف بن أبي الحسن أشغال الحضرة وكان قد اقتنى مالا جسيما ونال من الحضرة منالا عظيما وكان الرئيس أبو عبد الله متفننا في العلوم مجيدا في اللغة والشعر ينظم فيجيد وينثر فيحسن وله من التآليف:كتاب ترتيب المحكم لابن سيده على نسق الصحاح للجوهري واختصاره وسماه الخلاصة وكان في رياسته صليب الرأي قوى الشكيمة عالي المهمة شديد المراقبة والحزم في الخدمة وله شعر نقل منه التيجاني وغيره ومن أشهره ما نقل له يخاطب عنان بن جابر عن الأمير أبي زكريا لما خالف واتبع ابن غانية وهي على روي الراء وكان قبلها أخرى على روي الدال وكان له ولد إسمه سعيد وترقى في حياة أبيه في المراتب السلطانية ثم اغتبط دون غايته وفي ثالث مهلكه كان مهلك الشيخ أبي سعيد عثمان بن محمد الهنتاتي المعروف بالعود الرطب ويعرف أهل بيته بالمغرب ببني أبي زيد وكان منهم عبد العزيز المعروف بصاحب الأشغال كان فر من المغرب أيام السعيد لجفوة نالته ولحق بسجلماسة سنة إحدى وأربعين وقد كان انتزى بها عبد الله الهزرجي وبايع للأمير أبي زكريا فأجازه عبد الله إلى تونس ونزل على الأمير أبي زكريا ونظمه في طبقات مشيخة الموحدين وأهل مجلسه ثم حظي عند ابنه المستنصر بعد نكبة بني النعمان حظوة لا كفاء لها واستولى على الرأي والتدبير إلى أن هلك سنة ثلاث وسبعين وستمائة فشيع طيب الذكر ملحقا بالرضوان من الخاصة والعامة والله مالك الأمور..الخبر عن انتقاض أهل الجزائر وفتحها. كان أهل الجزائر لما رأوا تقلص ظل الدولة عن زناتة وأهل المغرب الأوسط حدثوا أنفسهم بالاستبداد والقيام على أمرهم وخلع ربقة الطاعة من أعناقهم فجاهروا بالخلعان وسرح السلطان إليهم العساكر سنة تسع وستين وستمائة وأوعز إلى صاحب القفر صاحبه وهو أبو هلال عياد بن سعيد الهنتاتي فقدم إليها في عساكر الموحدين سنة إحدى وسبعين وستمائة ونازلها مدة حول وإمتنعت عليه فأقلع عنها ورجع إلى بجاية وهلك بمعسكر ببني ورا سنة ثلاث وسبعين وستمائة.ثم إن السلطان صرف عزمه إلى منازلتهم سنة أربع وسبعين وستمائة وسرح إليهم العساكر في البر وأنفذ الأساطيل في البحر وعقد على عسكر تونس لأبي الحسن بن ياسين وأوعز إلى عامل بجاية بإنفاذ عسكر آخر فانفذه لنظر أبي العباس بن أبي الأعلام ونهضت هذه العساكر برا وبحرا إلى أن نازلتها وأحاطت بها من كل جانب واشتد حصارها ثم افتتحها عنوة وأثخن فيهم القتل وانتهبت المنازل وافتضح الكرائم في أبكارهن وتقبض على مشيخة البلد فنقلوا إلى تونس وصفدين واعتقلوا بالقصبة أن سرحهم الواثق بعد مهلك السلطان والله تعالى أعلم..الخبر عن مهلك السلطان المستنصر ووصف شيء من أحواله. كان السلطان بعد فتح الجزائر قد خرج من تونس للصيد وتفقد العمالات فأصابه في سفره مرض ورجع إلى داره واشتدت علته وكثر الارجاف بموته وخرج يوم الأضحى سنة خمس وخمسين وستمائة يتهادى بين رجلين ورجالاه تخطان في الأرض وجلس للناس على منبر متجلدا ثم دخل بيته وهلك لليلته تلك رضوان الله عليه وكان شأن هذا السلطان في ملوك آل حفص عظيما وشهرته طائرة الذكر بما انفسح من أمر سلطانه ومدت إليه ثغور القاصية من العدوتين يد الاعتصام به وما اجتمع بحضرته من أعلام الناس الوافدين على ابنه وخصوصا الأندلس من شاعر مفلق وكاتب بليغ وعالم نحرير وملك أورع وشجاع أهيش متفيئين ظل ملكة متناغين في اللياذبه لطموس معالم الخلافة شرقا وغربا على عهده وخفوت صوت الملك إلا في إيوانه فقد كان الطاغية التهم قواعد الملك بشرق الأندلس وغربها فأخذت قرطبة سنة ثلاث وثلاثين وستمائة بعدها وأشبيلية سنة ست وأربعين وستمائة واستولى التتر على بغداد دار خلافة العرب بالمشرق وحاضرة الإسلام سنة ست وخمسين وستمائة وانتزع بنو مرين ملك بني عبد المؤمن واشتملوا على حضرة مراكش دار خلافة الموحدين سنة ثمان وستين وستمائة كل ذلك على عهده وعهد أبيه ودولتهم أشد ما كانت قوة وأعظم رفاهية وجباية وأوفر قبيلا وعصاية وأكثر عساكر وجندا فأمله أهل العلم للكرة وأجفلوا إلى الإمساك بحقونه وكان له في الأبهة والجلال أخبار وفي الحروب والفتوح آثار مشهودة وفي أيامه عظمت حضارة تونس وكثر ترف ساكنها وتأنق الناس في المراكب والملابس والمباني والماعون والآنية فاستجادوها وتناغوا في اتخاذها وانتقائها إلى أن بلغت غايتها رجعت من بعده أدراجها والله مالك الأمور ومصرفها كيف يشاء.
|