الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
هذا الباب له صلة بما قبله، وهوأن الغلوفي قبور الصالحين يصيرها أوثانًا تعبد من دون الله. أي: يؤول الأمر بالغالين إلى أن يعبدوا هذه القبور أوأصحابها. والغلو: مجاوزة الحد مدحًا أوذمًا، والمراد هنا مدحًا. والقبور لها حق علينا من وجهين: 1- أن لا نفرط فيما يجب ليها من الاحترام؛ فلا تجوز إهانتها ولا الجلوس عليها، وما أشبه ذلك. 2- أن لا نغلوفيها فنتجاوز الحد. وفي (صحيح مسلم) قال علي بن أبي طالب لأبي الهياج الأسدي: والقبر المشرف: هو الذي يتميز عن سائر القبور؛ فلا بد أن يسوى ليساويها لئلا يظن أن لصاحب هذا القبر خصوصية ولوبعد زمن: إذ هووسيلة إلى الغلو فيه. قوله: (الصالحين)، يشمل الأنبياء والأولياء، بل ومن دونهم. روى مالك في (الموطأ)؛ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: قوله: (أوثانًا)، جمع وثن، وهوكل ما نصب للعبادة، وقد يقال له: صنم، والصنم: تمثال ممثل؛ فيكون الوثن أعم. ولكن ظاهر كلام المؤلف أن كل ما يعبد من دون الله يسمى وثنًا، وإن لم يكن على تمثال نصب؛ لأن القبور قد لا يكون لها تمثال ينصب على القبر فيعبد. قوله: * * * قوله: (في (الموطأ))، كتاب مشهور من أصح الكتب؛ لأنه رحمه الله تحرى فيه صحة السند، وسنده أعلى من سند البخاري لقربه من الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكلما كان السند أعلى كان إلى الصحة أقرب، وفيه مع الأحاديث آثار عن الصحابة، وفيه أيضًا كلام وبحث للإمام مالك نفسه. وقد شرحه كثير من أهل العلم، ومن أوسع شروحه وأحسنها في الرواية والدراية: (التمهيد) لابن عبدالبر، وهذا ـ أعني (التمهيد) ـ فيه علم كثير. قوله: (اللهم)، أصلها: يا الله ! فحذفت يا النداء لأجل البداءة باسم الله، وعوض عنها الميم الدالة على الجمع؛ فكأن الداعي جمع قلبه على الله، وكانت الميم في الآخر لأجل البداءة باسم الله. قوله: وقوله: (يعبد)، صفة لوثن، وهي صفة كاشفة؛ لأنه الوثن هو الذي يعبد من دون الله. وإنما سأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك لأن من كان قبلنا جعلوا قبور أنبيائهم مساجد وعبدوا صالحيهم، فسأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ربه أن لا يجعل قبره وثنًا يعبد؛ لأن دعوته كلها بالتوحيد ومحارببة الشرك. قوله: (اشتد)، أي: عظم. قوله: (غضب الله)، صفة حقيقية ثابتة لله ـ عز وجل ـ لا تماثل غضب المخلوق لا في الحقيقة ولا في الأثر. وقال أهل التأويل: غضب الله هو الانتقام ممن عصاه، وبعضهم يقول: إرادة الانتقام ممن عصاه. وهذا تحريف للكلام عن مواضعه؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يقل: انتقم الله، وإنما قال: اشتد غضب الله، وهوـ صلى الله عليه وسلم ـ يعرف كيف يعبر، ويعرف الفرق بين غضب الله وبين الانتقام، وهو أنصح الخلف وأعلم الخلق بربه، فلا يمكن أن يأتي بكلام وهو يريد خلافه؛ لأنه لوأتى بذلك لكان ملبسًا، وحاشاه أن يكون كذلك؛ فالغضب غير الانتقام وغير إرادة الانتقام؛ فالغضب صفة حقيقية ثابتة لله تليق بجلاله لا تماثل غضب المخلوق، لا في الحقيقة ولا في الأثر. وهناك فروق بين غضب المخلوق وغضب الخالق، منها: 1 - غضب المخلوق حقيقة هو: غليان دم القلب، وجمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم حتى يفور، أما غضب الخالق؛ فإنه صفة لا تماثل هذا، قال تعالى: 2 - أن غضب الآدمي يؤثر آثارًا غير محمودة؛ فالآدمي إذا غضب قد يحصل منه ما لا يحمد، فيقتل المغضوب عليه، وربما يطلق زوجته، أويكسر الإناء، ونحوذلك، أما غضب الله؛ فلا يترتب عليه إلا آثار حميدة لأنه حكيم؛ فلا يمكن أن يترتب على غضبه إلا تمام الفعل المناسب الواقع في محله. فغضب الله ليس كغضب المخلوقين، لا في الحقيقة ولا في الآثار، وإذا قلنا ذلك؛ فلا نكون وصفنا الله بما يماثل صفات المخلوقين، بل وصفناه بصفة تدل على القوة وتمام السلطان؛ لأن الغضب يدل على قدرة الغاضب على الانتقام وتمام سلطانه؛ فهوبالنسبة للخالق صفة كمال، وبالنسبة للمخلوق صفة نقص. ويدل على بطلان تأويل الغضب بالانتقام قوله تعالى: فإن معنى (آسفونا): أغضبونا؛ فجعل الانتقام غير الغضب، بل أثرًا مترتبًا عليه؛ فدل هذا على بطلان تفسير الغضب بالانتقام. واعلم أن كل من حرف نصوص الصفات عن حقيقتها وعما أراد الله بها ورسوله؛ فلا بد أن يقع في زلة ومهلكة؛ فالواجب علينا أن نسلم لما جاء به ولابن جرير بسنده، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: الكتاب والسنة من صفات الله تعالى على ما ورد إثباتًا بلا تمثيل وتنزيهًا بلا تعطيل. قوله: وهنا نسأل: هل استجاب الله دعوة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأن لا يجعل قبره وثنًا يعبد، أم اقتضت حكمته غير ذلك؟ الجواب: يقول ابن القيم: إن الله استجاب له؛ فلم يذكر أن قبره ـ صلى الله عليه وسلم ـ جعل وثنًا، بل إنه حمي بثلاثة جدران؛ فلا أحد يصل إليه حتى يجعله وثنًا يعبد من دون الله، ولم يسمع في التاريخ أنه جعل وثنًا. قال ابن القيم في (النونية): صحيح أنه يوجد أناس يغلون فيه، ولكن لم يصلوا إلى جعل قبره وثنًا، ولكن قد يعبدون الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولوفي مكان بعيد، فإن وجد من يتوجه له ـ صلى الله عليه وسلم ـ بدعائه عند قبره؛ فيكون قد اتخذه وثنًا، لكن القبر نفسه لم يجعل وثنًا. * * * قوله: (ولابن جرير)، هو محمد بن جرير بن يزيد الطبري، الإمام المشهور في التفسير، توفى سنة 310هـ. وتفسيره: هو أصل التفسير بالأثر ومرجع لجميع المفسرين بالأثر، ولا يخلو من بعض الآثار الضعيفة، وكأنه يريد أن يجمع ما روي عن السلف من الآثار في تفسير القرآن، ويدع للقارئ الحكم عليها بالصحة أو الضعف بحسب تتبع رجال السند، وهي طريقة جيدة من وجه، وليست جيدة من وجه آخر. فجيدة من جهة أنها تجمع الآثار الواردة حتى لا تضيع، وربما تكون طرقها ضعيفة ويشهد بعضها لبعض. وليست جيدة من جهة أن القاصر بالعلم ربما يخلط الغث بالسمين ويأخذ بهذا وهذا، لكن من عرف طريقة السند، وراجع رجال السند، ونظر إلى أحوالهم وكلام العلماء فيهم؛ علم ذلك. وقد أضاف إلى تفسيره بالأثر: التفسير بالنظر، ولا سيما ما يعود إلى اللغة العربية، ولهذا دائمًا يرجح الرأي ويستدل له بالشواهد الواردة في القرآن وعن العرب. ومن الناحية الفقهية؛ فالطبري مجتهد، لكنه سلك طريقة خالف غيره فيها بالنسبة للإجماع؛ فلا يعتبر خلاف الرجل والرجلين، وينقل الإجماع ولوخالف في ذلك رجل أورجلان، وهذه الطريقة تؤخذ عليه؛ لأن الإجماع لا بد أن يكون من جميع أهل العلم المعتبرين في الإجماع، وقد يكون الحق مع هذا الواحد المخالف. والعجيب أني رأيت بعض المتأخرين يحذرون الطلبة من تفسيره؛ لأنه مملوء على زعمهم بالإسرائيليات، ويقولون: عليكم بـ (تفسير الكشاف) للزمخشري وما أشبه ذلك، وهؤلاء مخطئون؛ لأنهم لجهلهم بفضل التفسير بالآثار عن السلف واعتزازهم بأنفسهم وإعجابهم بآرائهم صاروا يقولون هذا. قوله: (عن سفيان)، إما سفيان الثوري، أوابن عيينة، وهذا مبهم، قال: والمبهم يمكن معرفته شيوخه وتلاميذه، وفي الشرح ـ أعني (تيسير العزيز الحميد) يقول: الظاهر أنه الثوري. قوله: (عن مجاهد)، هومجاهد بن جبر المكي، إما المفسيرين من التابعين، ذكر عنه أنه قال: قوله: {أفرأيتم}، الهمزة: للاستفهام، والمراد به التحقير، والخطاب لعابدي هذه الأصنام اللات والعزى ... إلخ. لما ذكر الله تعالى قصة المعراج وما حصل فيه من الآيات العظيمة التي قال عنها: قوله: {اللات}، (كان يلت لهم...) إلخ، على قراءة التشديد: من لت يلت؛ فهولات. أما على قراءة التخفيف؛ فوجهها أنها خففت لتسهيل الكلام؛ أي: حذف منها التضعيف تخفيفًا. وقد سبق أنهم قالوا: إن اللات من الإله. وأصله: رجل كان يلت السويق للحجاج، فلما مات؛ عظموه، وعكفوا على قبره، ثم جعلوه إلهًا، وجعلوا التسمية الأولى مقترنة بالتسمية الأخيرة؛ فيكون أصله من لت السويق، ثم جعلوه من الإله، وهذا على قراءة التخفيف أظهر من التشديد؛ فالتخفيف يرجح أنه من الإله، والتشديد يرجح أن أصله رجل يلت السويق. وكذا قال أبو الجوزاء، عن ابن عباس: وغلوا في قبره، وقالوا: هذا الرجل المحسن الذي يلت السويق للحجاج ويطعمهم إياه، ثم بعد ذلك عبدوه؛ فصار الغلو في القبور يصيرها أوثانًا تعبد من دون الله. وفي هذا التحذير من الغلوفي القبور، ولهذا نهى عن تخصيصها والبناء عليها والكتابة عليها خوفًا من هذا المحظور العظيم الذي يجعلها تعبد من دون الله، وكان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأمر إذا بعث بعثًا: بأن لا يدعوا قبرًا مشرفًا إلا سووه [مسلم: كتاب الجنائز/باب الأمر بتسوية القبر.]؛ لعلمه أنه مع طول الزمان سيقال: لولا أن له مزية ما اختلف عن القبور؛ فالذي ينبغي أن تكون القبور مستاوية لا ميزة لواحد منها عن البقية. قوله: (السويق)، هوعبارة عن الشعير يحمص، ثم يطحن، ثم يخلط بتمر أوشبهه، ثم يؤكل. وقوله: قوله: (1) وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: غاية الاستغلال ـ والعياذ بالله ـ حتى يبيعوا عليهم ما يساوي ريالًا بريالين وأكثر حسب ما يتيسر لهم، وهذا في الحقيقة خطأ عظيم؛ لأن الله تعالى يقول: * * * قوله: (لعن)، اللعن: هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله، ومعنى قوله: منها ما هو سنة، وهي زيارة الرجال للاتعاظ والدعاء للموتى ومنها ما هوبدعة، وهي زيارتهم للدعاء عندهم وقراءة القرآن ونحوذلك. ومنها ما هو شرك، وهي زيارتهم لدعاء الأموات والاستنجاد بهم والاستغاثة ونحوذلك. وزائر: اسم فاعل يصدق بالمرة الواحدة، وفي حديث أبي هريرة: قوله: 1- 1- أن يتخذها مصلى يصلى عندها. 2- 2- بناء المساجد عليها. قوله: (والسرج) جمع سراج، توقد عليها السرج ليلا ونهارا تعظيما وغلوا فيها. وهذا الحديث يدل على تحريم زيارة النساء للقبور، على أنه من كبائر الذنوب؛ لأن اللعن لا يكون إلا على كبيرة، ويدل على تحريم اتخاذ المساجد والسرج عليها، وهوكبيرة من كبائر الذنوب للعن فاعلة. إن اتخاذ المساجد عليها وإسراجها غلوفيها؛ فيؤدي بعد ذلك إلى عبادتها. مسألة: ما هي الصلة بين الجملة الأولى: الصلة بينهما ظاهرة: هي أن المرأة لرقة عاطفتها وقلة تمييزها وضعف صبرها ربما تعبد أصحاب القبور تعطفا على صاحب القبر؛ فلهذا قرنها بالمتخذين عليها المساجد والسرج. وهل يدخل في اتخاذ السرج على المقابر ما وضع فيها مصابيح كهرباء لإنارتها؟ الجواب: أما في المواطن التي لا يحتاج الناس إليها، كما لوكانت المقبرة واسعة وفيها موضع قد انتهى الناس من الدفن فيه؛ فلا حاجة إلى إسراجه، فلا يسرج، أما الموضع الذي يقبر فيه فيسرج ما حوله؛ فقد يقال بجوازه؛ لأنها لا تسرج إلا بالليل؛ فليس في ذلك ما يدل على تعظيم القبر، بل اتخذ الإسراج للحاجة. ولكن الذي نرى أنه ينبغي المنع مطلقا للأسباب الآتية: 1- 1- أنه ليس هناك ضرورة. 2- 2- أن الناس إذا وجدوا ضرورة لذلك؛ فعندهم سيارات يمكن أن يوقدوا الأنوار التي فيها ويتبين لهم الأمر، ويمكنهم أن يحملوا سراجا معهم. 3- 3- أنه إذا فتح هذا الباب؛ فإن الشر سيتسع في قلوب الناس ولا يمكن ضبطه فيما بعد، فلوفرضنا أنهم جعلوا الإضاءة بعد صلاة الفجر ودفنوا الميت؛ فمن يتولى قفل هذه الإضاءة؟ الجواب: قد تترك، ثم يبقي كأنه متخذ عليها السرج؛ فالذي نرى أنه يمنع نهائيا. أما إذا كان في المقبرة حجرة يوضع فيها اللبن ونحوه؛ فلا بأس بإضاءتها لأنها بعيدة عن القبور، والإضاءة داخلة لا تشاهد؛ فهذا نرجوأن لا يكون به بأس. والمهم أن وسائل الشرك يجب على الإنسان أن يبتعد عنها ابتعادا عظيما، ولا يقدر للزمن الذين هوفيه الآن، بل يقدر للأزمان البعيدة؛ فالمسألة ليست هينة. وفي الحديث ما يدل على تحريم زيارة النساء للقبور، وأنها من كبائر الذنوب، والعلماء اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: تحريم زيارة النساء للقبور، بل إنها من كبائر الذنوب؛ لهذا الحديث. القول الثاني: كراهة زيارة النساء للقبور كراهة لا تصل إلى التحريم، وهذا هوالمشهور من مذهب أحمد عن أصحابه؛ لحديث أم عطية: القول الثالث: أنها تجوز زيارة النساء للقبور؛ لحديث المرأة: التي مر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بها وهي تبكي عند قبر، فقال لها: ولما ثبت في (صحيح مسلم) [مسلم: كتاب الجنائز / باب ما يقال عند دخول ا لقبر .....] من حديث عائشة الطويل، وفيه: قالوا: فعلمها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دعاء زيارة القبور، وتعليمه هذا دليل على جواز. ورأيت قولا رابعا: أن زيارة النساء للقبور سنة كالرجال؛ لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: وهذا دليل على أنه منسوخ. والصحيح القول الأول، ويجاب عن أدلة الأقوال الأخرى: بأن الصريح منها غير صحيح، والصحيح غير صريح؛ فمن ذلك: أولا: دعوى النسخ غير صحيحة؛ لأنها لا تقبل إلا بشرطين: 1- 1- تعذر الجمع بين النصين، والجمع هنا سهل وليس بمعتذر لأنه يمكن أن يقال: إن الخطاب في قوله: النساء أولا؟ وإذا قلنا بالدخول ـ وهوالصحيح ـ فإن دخولهن في هذا الخطاب من باب دخول أفراد العام بحكم يخالف العام، وهنا نقول: قد خص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ النساء من هذا الحكم، فأمره بالزيارة للرجل فقط؛ لأن النساء أخرجن بالتخصيص من هذا العموم بلعن الزائرات، وأيضا مما يبطل النسخ قوله: 2- العلم بالتاريخ، وهنا لم نعلم التاريخ؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يقل: كنت لعنت من زار القبور، بل قال: (كنت نهيتكم)، والنهي دون اللعن. وأيضا قوله: (كنت نهيتكم) خطاب للرجال، ولعن زائرات القبور خطاب للنساء؛ فلا يمكن حمل خطاب الرجال على خطاب النساء، إذا؛ فالحديث لا يصح فيه دعوى النسخ. وثانيا: وأما الجواب عن حديث المرأة وحديث عائشة؛ أن المرأة لم تخرج للزيارة قطعا، لكنها أصيبت، ومن عظم المصيبة عليها لم تتمالك نفسها لتبقى في بيتها، ولذلك خرجت وجعلت تبكي عند القبر مما يدل على أن في قلبها شيئا عظيما لم تتحمله حتى ذهبت إلى ابنها وجعلت تبكي عند القبر، ولهذا أمرها ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن تصبر؛ لأنه علم أنها لم تخرج للزيارة، بل خرجت لما في قلبها من عدم تحمل هذه الصدمة الكبيرة؛ فالحديث ليس صريحا بأنها خرجت للزيارة، وإذا لم يكن صريحا؛ فلا يمكن أن يعارض الشيء الصريح بشيء غير صريح. وأما حديث عائشة؛ فإنها قالت للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ماذا أقول؟ فقال: وأما فعلها مع أخيها رضي الله عنهما؛ فإن فعلها مع أخيها لم يستدل عليها عبد الله بن أبي مليكة بلعن زائرات القبور، وإنما استدل عليها بالنهي عن زيارة القبور مطلقا؛ لأنه لو استدل عليها بالنهي عن زيارة النساء للقبور أو بلعن زائرات القبور؛ لكنا ننظر بماذا ستجيبه. فهواستدل عليها بالنهي عن زيارة القبور، ومعلوم أن النهي عن زيارة القبور كان عاما، ولهذا أجابته بالنسخ العام، وقالت: إنه قد أمر بذلك، ونحن وإن كنا نقول: إن عائشة رضي الله عنها استدلت بلفظ العموم؛ فهي كغيرها من العلماء لا يعارض بقولها قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أنه روي عنها؛ أنها قالت: (لو شهدتك ما زرتك)، وهذا دليل على أنها رضي الله عنها خرجت لتدعوله؛ لأنها لم تشهد جنازته، لكن هذه الرواية طعن فيها بعض العلماء، وقال: إنها لا تصح عن عائشة رضي الله عنها، لكننا نبقى على الراوية الأولى الصحيحة؛ إذ ليس فيها دليل على أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ نسخه، وإذا فهمت هي؛ فلا يعارض بقولها قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ. الأولى: تفسير الأوثان. الثانية: تفسير العبادة. في قوله: الجواب: هذا ممكن، لكننا إذا حملناه على ذلك؛ فإننا أضعنا دلالة المطلق (زائرات). والتضعيف قد يحمل على كثرة الفاعلين لا على كثرة الفعل؛ فـ (الزوارات) يعني: النساء إذا كن مئة كان فعلهن كثيرا، والتضعيف باعتبار الفاعل موجود في اللغة العربية، قال تعالى: فالراجح تحريم زيارة النساء للمقابر، وأنها من كبائر الذنوب. وانظر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) (343/24). * * * * الأولى: تفسير الأوثان، وهي: كل ما عبد من دون الله، سواء كان صنما أو قبرا أو غيره. * الثانية: تفسير العبادة، وهي: التذلل والخضوع للمعبود خوفا ورجاء ومحبة وتعظيمًا؛ لقوله: الثالثة: أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يستعذ إلا مما يخاف وقوعه. الرابعة: قرنه بهذا اتخاذ قبور الأنبياء مساجد. الخامسة: ذكر شدة الغضب من الله. السادسة: وهي من أهمها: معرفة صفة عبادة اللات التي هي من أكبر الأوثان. السابعة: معرفة أنه قبر رجل صالح. * الثالثة: أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يستعذ إلا مما يخاف من وقوعه، وذلك في قوله: * الرابعة: قرنه بهذا اتخاذ قبور الأنبياء مساجد، وذلك في قوله: * الخامسة: ذكر شدة الغضب من الله، تؤخذ من قوله: وفيه: إثبات الغضب من الله حقيقة، لكنه كغيره من صفات الأفعال التي نعرف معناها ولا نعرف كيفيتها. وفيه أنه يتفاوت كما ثبت في الحديث الصحيح حديث الشفاعة: * السادسة ـ وهي من أهمها ـ: معرفة صفة عبادة اللات التي هي من أكبر الأوثان، وذلك في قوله: * السابعة: معرفة أنه قبر رجل صالح، تؤخذ من قوله الثامنة: أنه اسم صاحب القبر، وذكر معنى التسمية. التاسعة: لعنه زوارات القبور. العاشرة: لعنه من أسرجها. صاحب دين. * الثامنة: أنه اسم صاحب القبر، وذكر معنى التسمية، وهوأنه كان يلت السويق. * التاسعة: لعنه زوارات القبور، أي: النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذكر رحمة الله لفظ: *العاشرة: لعنه من أسرجها، وذلك في قوله: وهنا مسألة مهمة لم تذكر، وهي: أن الغلوفي قبور الصالحين يصيرها أوثانا كما في قبر اللات، وهذه من أهم الوسائل، ولم يذكرها المؤلف رحمه الله، ولعله اكتفى بالترجمة عن هذه المسألة بما حصل للات، فإذا قيل بذلك؛ فله وجه. مسألة: المرأة إذا ذهبت للروضة في المسجد النبوي لتصلي فيها، فالقبر قريب منها، فتقف وتسلم، ولا مانع فيه. والأحسن البعد عن الزحام ومخالطة الرجال، ولئلا يظن من يشاهدها إن المرأة يجوز لها قصد الزيارة؛ فيقع الإنسان في محذور، وتسليم المرء على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يبلغه حيث كان. * * *
|