الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
فهو إفراد الله تعالى: بالعبادة بأن يعبد وحده ولا يعبد غيره من ملك، أو رسول، أو نبي، أو ولي، أو شجر، أو حجر، أو شمس، أو قمر، أو غير ذلك كائنًا ما كان. ومن أدلته قوله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا} [النساء: 36]. و قوله: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25]. و وقوله: {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم} [البقرة: 163]. وقوله: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائمًا بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم} [آل عمران: 18]. وهذا النوع قد أنكره المشركون الذين بعث فيهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما قال الله تعالى: عنهم: {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون . ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون} [الصافات: 35: 36]. وقال تعالى: {وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب . أجعل الآلهة إلهًا واحدًا إن هذا لشيء عجاب . وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد} [ص: 4: 6]. ومن أجل إنكارهم إياه قاتلهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ واستباح دماءهم وأموالهم، وسبى نسائهم وذرياتهم بإذن الله تعالى: وأمره، ولم يكن إقرارهم بتوحيد الربوبية مخرجاُ لهم عن الشرك، ولا عاصمًا لدمائهم وأموالهم. وتحقيق هذا النوع أن يعبد الله وحده لا شريك له بشرعه الذي جاءت به رسله كما قال الله تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملًا صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا} [الكهف: 110]. فمن لم يعبد الله تعالى: فهو مستكبر غير موحد، ومن عبده وعبد غيره فهو مشرك غير موحد، ومن عبده بما لم يشرعه فهو مبتدع ناقص التوحيد حيث جعل لله تعالى: شريكًا في التشريع. والعبادة تطلق على معنيين: أحدهما: التعبد وهو فعل العابد فتكون بمعنى التذلل للمعبود حبًا وتعظيمًا وهذان ـ أعني الحب والتعظيم ـ أساس العبادة فبالحب يكون طلب الوصول إلى مرضاة المعبود بفعل ما أمر به، وبالتعظيم يكون الهرب من أسباب غضبه بترك ما نهى عنه. الثاني: المتعبد به فتكون اسمًا جامعًا لكل ما يتعبد به لله تعالى: كالطهارة، والصلاة، والصدقة، والصوم، والحج، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وغير ذلك من أنواع العبادة. وللعبادة شرطان: أحدهما: الإخلاص لله عز وجل بأن لا يريد بها سوى وجه الله والوصول إلى دار كرامته، وهذا من تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله. الثاني: المتابعة لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأن لا يتعبد لله تعالى: بغير ما شرعه، وهذا من تحقيق شهادة أن محمدًا رسول الله. فالمشرك في العبادة لا تقبل عبادته، ولا تصح لفقد الشرط الأول. والمبتدع فيها لا تقبل، ولا تصح لفقد الشرط الثاني. وقد دل على هذين الشرطين كتاب الله تعالى: وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ. فمن أدلة اشتراط الإخلاص من كتاب الله قوله تعالى: {فاعبد الله مخلصًا له الدين . ألا لله الدين الخالص} [الزمر: 2: 3]. وقوله: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء} [البينة:5]. وقوله: {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون} [الأنعام:88]. إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة المتنوعة الدلالة. ومن أدلته من السنة ما أخرجه البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: (يا أيها الناس إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن هاجر إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه). هذا أحد ألفاظ البخاري. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه). ومن أدلة اشتراط المتابعة لرسول الله من كتاب الله تعالى: قوله تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} [الأنعام: 153]. وقوله: {ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} [آل عمران: 85]. وقوله في وصف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: {فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون} [الأعراف: 157].إلى غيرذلك من الآيات الكثيرة المتنوعة الدلالة. ومن أدلته من السنة ما أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد). أي مردود. وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يقول إذا خطب الناس يوم الجمعة: (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة) وصح عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة". رواه أحمد وأبو داود. ولا تتحقق المتابعة إلا بموافقة العبادة للشرع في سببها، وجنسها، وقدرها، وكيفيتها، وزمانها، ومكانها. والعبادة أنواع كثيرة: فمنها الصلاة، والذبح لقوله تعالى: {فصل لربك وانحر} [الكوثر:2]. وقوله: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين . لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} [الأنعام: 162]. فمن صلى لغير الله فهو مشرك، ومن ذبح لغير الله تقربًا وتعظيمًا فهو مشرك. ومنها التوكل لقوله تعالى: {وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين} [المائدة: 23]. وقوله: {فاعبده وتوكل عليه} [هود: 123]. ولهذا لما كان التوكل خاصًا به كان وحده هو الحسب كما قال تعالى: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره} [الطلاق: 3]. فأما قوله تعالى: {يا أيها النبي حسبك الله وما اتبعك من المؤمنين} [الأنفال: 64]. فمعناه أن الله هو حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين فقوله: {من اتبعك}. معطوف على الكاف في قوله: {حسبك} وليس معطوفًا على {الله} كما ظنه بعض الغالطين، فإن هذا يفسد به المعنى إذ يكون المعنى على هذا التقدير: أن الله والمؤمنين حسب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهذا باطل فإن مقام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعلى وأقوى من مقام من اتبعه فكيف يكون الأدنى حسبًا للأعلى والأقوى. ومنها الخشية، والخوف تعبدًا وتقربًا لقوله تعالى: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين} [آل عمران: 175]. وقوله: {فلا تخشوا الناس واخشون } [المائدة: 44]. وقوله : {فإياي فارهبون} [النحل: 51]. فجعل الرهبة له وحده كما جعل العبادة له وحده في قوله: {فإياي فاعبدون} [العنكبوت: 56]. ومنها التقوى تعبدًا وتقربًا لقوله تعالى: {وإياي فاتقون} [البقرة: 41]. وقوله: {أفغير الله تتقون} [النحل: 52]. وقوله: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا. يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا} [الأحزاب: 71].
|