الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
اشتهر عن السلف كلمات عامة وأخرى خاصة في آيات الصفات وأحاديثها فمن الكلمات العامة قولهم: "أمروها كما جاءت بلا كيف". روي هذا عن مكحول، والزهري، ومالك بن أنس، وسفيان الثوري، والليث بن سعد، والأوزاعي. وفي هذه العبارة رد على المعطلة والمشبهة، ففي قولهم: "أمروها كما جاءت" رد على المعطلة. وفي قولهم: "بلا كيف" رد على المشبهة. وفيها أيضًا دليل على أن السلف كانوا يثبتون لنصوص الصفات المعاني الصحيحة التي تليق بالله تدل على ذلك من وجهين: الأول: قولهم: "أمروها كما جاءت". فإن معناها إبقاء دلالتها على ما جاءت به من المعاني، ولا ريب أنها جاءت لإثبات المعاني اللائقة بالله تعالى: ولو كانوا لا يعتقدون لها معنى لقالوا: "أمروا لفظها ولا تتعرضوا لمعناها". ونحو ذلك. الثاني: قولهم: "بلا كيف" فإنه ظاهر في إثبات حقيقة المعنى، لأنهم لو كانوا لا يعتقدون ثبوته ما احتاجوا إلى نفي كيفيته، فإن غير الثابت لا وجود له في نفسه، فنفي كيفيته من لغو القول. فإن قيل: ما الجواب عما قاله الإمام أحمد في حديث النزول وشبهه: "نؤمن بها ونصدق، لا كيف، ولا معنى". قلنا: الجواب على ذلك: أن المعنى الذي نفاه الإمام أحمد في كلامه هو المعنى الذي ابتكره المعطلة من الجهمية وغيرهم، وحرفوا به نصوص الكتاب والسنة عن ظاهرها إلى معانٍ تخالفه. ويدل على ما ذكرنا أنه نفى المعنى، ونفى الكيفية، ليتضمن كلامه الرد على كلتا الطائفتين المبتدعتين: طائفة المعطلة، وطائفة المشبهة. ويدل عليه أيضًاما قاله المؤلف في قول محمد بن الحسن:" اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن، والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في صفة الرب عز وجل من غير تفسير،ولا وصف،ولا تشبيه".ا هـ. . قال المؤلف: أراد به تفسير الجهمية المعطلة الذين ابتدعوا تفسير الصفات بخلاف ما كان عليه الصحابة، والتابعون من الإثبات. ا هـ. فهذا دليل على أن تفسير آيات الصفات وأحاديثها على نوعين: الأول: تفسير مقبول: وهو ما كان عليه الصحابة والتابعون من إثبات المعنى اللائق بالله عز وجل الموافق لظاهر الكتاب والسنة. الثاني: تفسير غير مقبول: وهو ما كان بخلاف ذلك. وهذا المعنى منه مقبول ومنه مردود على ما تقدم. فإن قيل: هل لصفات الله كيفية؟ فالجواب: نعم! لها كيفية لكنها مجهولة لنا، لأن الشيء إنما تعلم كيفيته بمشاهدته، أو مشاهدة نظيره، أو خبر الصادق عنه، وكل هذه الطرق غير موجودة في صفات الله. وبهذا عرف أن قول السلف: "بلا كيف" معناه بلا تكييف لم يريدوا نفي الكيفية مطلقًا لأن هذا تعطيل محض. والله أعلم.
|