الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان
.فصل في التحذير من إبليس وجنوده وبيان شيء من حيله ومكره وكيده لبني آدم: وقال ابن القيم رحمه الله في التحذير من إبليس وجنوده وبيان شيء من حيله ومكره وكيده لبني آدم ووصاياه لجنوده كيف يوقعون بني آدم في المعاصي من حيث يشعرون ومن حيث لا يشعرون وتوجيه جنوده إلى المداخل إلى قلوب بني آدم ليدمرهم ويهلكهم ويزجهم معه في السعير، وقال رحمه الله:ولما علم سبحانه أن آدم، وبنيه قد بلوا بهذا العدو، وأنه قد سلط عليهم أمدهم بعساكر، وجند يلقونه بها، وأمد عدوهم أيضًا بجند وعساكر يلقاهم بها وأقام سوق الجهاد في هذه الدار في مدة العمر التي هي بالإضافة إلى الآخرة كنفس واحد من أنفاسها.واشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون، وأخبر أن ذلك وعد مؤكد في أشرف كتبه وهي التوراة، والإنجيل، والقرآن، وأخبر أنه أوفى بعهده منه سبحانه.ثم أمرهم أن يستبشروا بهذه الصفقة التي من أراد أن يعرف قدرها فلينظر إلى المشتري من هو، وإلى الثمن المبذول في هذه السلعة، وإلى من جرى على يديه هذا العقد، فأي فوز أعظم من هذا، وأي تجارة أربح منه.ثم أكد سبحانه هذا بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.ولم يسلط هذا العدو على عبده المؤمن الذي هو أحب أنواع المخلوقات إليه، إلا لأن الجهاد أحب شيء إليه وأهله أرفع الخلق عنده درجات وأقربهم إليه وسيلة.فعقد سبحانه وتعالى لواء هذا الحرب لخلاصة مخلوقاته، وهو القلب الذي هو محل معرفته، ومحبته، وعبوديته، والإخلاص له والتوكل عليه، والإنابة إليه، فولاه أمر هذا الحرب.وأيده بجنده من الملائكة لا يفارقونه، قال تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ} يثبتونه ويحفظونه، ويأمرونه بالخير، ويخصونه عليه، ويعدونه بكرامة الله، ويصبرونه، ويقولون: إنما هو صبر ساعة وقد استرحت راحة الأبد.ثم أمده بجند آخر من وحيه، وكلامه، فأرسل إليه رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنزل إليه كتابه، فازداد قوة إلى قوته، ومدادًا إلى مدده وعدة إلى عدته.وأيده مع ذلك بالعقل وزيرًا له ومدبرًا، وبالمعرفة مشيرة عليه وناصحة له، وبالإيمان مثبتًا له، ومؤيدًا، وناصرًا، وباليقين كاشفًا له عن حقيقة الأمر كأنه يعاين ما وعد الله تعالى به أولياءه وحزبه على جهاد أعدائه.فالعقل يدبر أمر جيشه، والمعرفة تصنع له أمور الحرب وأسبابها ومواضعها اللاحقة بها، والإيمان يثبته ويقويه ويصبره، واليقين يقدم به ويحمل به الحملات الصادقة.ثم أمد سبحانه القائم بهذه الحرب بالقوى الظاهرة والباطنة، فجعل العين طليعته والأذن صاحب خبره، واللسان ترجمان، واليدين والرجلين أعوانه.وأقام ملائكته وحملة عرشه يستغفرون له، ويسألون له أن يقيه السيئات، ويدخله الجنات، وتولى سبحانه الدفع عنه والدفاع عنه بنفسه.وقال: هؤلاء حزبي وحزب الله المفلحون، وقال تعالى: {وْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وهؤلاء جندي وجند الله هم الغالبون.وعلم سبحانه عباده كيف هذا الحرب والجهاد فجمعها لهم في أربع كلمات، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.ولا يتم أمر هذا الجهاد إلا بهذه الأمور الأربعة، فلا يتم له الصبر إلا بمصابرة العدو، وهي مقاومته، ومنازلته، فإذا صابر عدوه احتاج إلى أمر آخر وهو المرابطة وهي لزوم ثغر القلب وحراسته لئلا يدخل معه العدو ولزوم ثغر العين، والأذن واللسان، والبطن، واليد، والرجل.فهذه الثغور منها يدخل العدو، فيجوس خلال الديار، ويفسد ما قدر عليه، فالمرابطة لزوم هذه الثغور، ولا يخلى مكانها فيصادف العدو الثغر خاليًا فيدخل منه.فهؤلاء أصحاب رسول الله صلى اله عليه وسلم، خير الخلق بعد النبيين والمرسلين، وأعظمهم حماية، وحراسة من الشيطان، وقد أخلوا المكان الذي أمروا بلزومه يوم أحد، فدخل منه العدو فكان ما كان.وجماع هذه الثلاثة الذي تقوم به هو تقوى الله تعالى فلا ينفع الصبر ولا المصابرة، ولا المرابطة، إلا بالتقوى ولا تقوم التقوى إلا على ساق الصبر، فانظر الآن فيك إلى التقاء الجيشين واصطدام العسكريين، وكيف تدال مرة. ويدال عليك مرة أخرى.أقبل ملك الكفرة بجنوده وعساكره، فوجد القلب في حصنه جالسًا على كرسي مملكته، أمره نافذٌ في أعوانه، وجنده قد حفوا به يقاتلون عنه، ويدافعون عن حوزته، فلم يمكنه الهجوم عليه إلا بمخامرة بعض أمرائه وجنده عليه.فسال عن أخص الجند به، وأقربهم منه منزلة، فقيل له هي النفس، فقال لأعوانه ادخلوا عليها من مرادها وانظروا مواقع محبتها، وما هو محبوبها، فعدوها به، ومنوها إياه، وانقشوا صورة المحبوب فيها في يقظتها ومنامها.فإذا اطمأنت إليه وسكنت عنده فاطرحوا عليها كلاليب الشهوة وخطاطيفها، ثم جروها بها إليكم.فإذا خامرت على القلب وصارت معكم عليه ملكتم ثغور العين، والأذن واللسان، والفم واليد، والرجل، فرابطوا على هذه الثغور وكل المرابطة فمتى دخلتم منها إلى القلب فهو قتيلٌ أو أسيرٌ أو جريحٌ مثخن الجراحات.ولا تخلوا هذه الثغور، ولا تمكنوا سرية تدخل فيه إلى القلب فتخرجكم منها، وان غلبتم فاجتهدوا في أضعاف السرية ووهنا، حتى لا تصل إلى القلب وإن وصلت ضعيفة لا تغني عنه شيئًا.فإذا استوليتم على هذه الثغور، فامنعوا ثغر العين أن يكون نظره اعتبارًا بل اجعلوا نظره تفرجًا، واستحسانًا، وتلهيًا، فان استرق نظره عبرة، فأفسدوها عليه بنظرة الغفلة، والاستحسان والشهوة، فإنه أقرب غليه، وأعلق بنفسه، وأخف عليه.ودونكم ثغر العين فإن منه تنالون بغيتكم، فإني ما أفسدت بني آدم بشيء مثل النظر، فإني أبذر به القلب بذر الشهوة، ثم اسقيه بماء الأمنية، ثم لا أزال أعده وأمنيه حتى أقوي عزيمته وأقوده بزمام الشهوة، إلى الانخلاع من العصمة.فلا تهملوا أمر هذا الثغر وأفسدوه بحسب استطاعتكم وهونوا عليه أمره وقولوا له مقدار نظرة تدعوك إلى تسبيح الخالق والتأمل لبديع صنعه وحسن هذه الصورة التي إنما خلقت ليستدل بها الناظر عليه وما خلق الله لك العينين سدى وما خلق هذه الصورة ليحجبها عن النظر.ثم امنعوا ثغر الأذن أن يدخل منه ما يفسد عليكم الأمر فاجتهدوا أن لا تدخلوا منه إلا الباطل فإنه خفيف على النفس تستحليه وتستحسنه وتخيروا له أعذب الألفاظ وأسحرها للألباب وامزجوه بما تهوى النفس مزجًا وألقوا الكلمة فان رأيتم منه إصغاء إليها فزجوه بأخواتها وكلما صادفتم منه استحسان شيء فالهجوا له بذكره.وإياكم أن يدخل هذا الثغر شيء من كلام رسوله صلى الله عليه وسلم أو كلام النصحاء فإن غلبتم على ذلك ودخل من ذلك شيء فحولوا بينه وبين فهمه وتدبره والتفكر فيه والعظة به إما بإدخال ضده عليه وأما بتهويل ذلك وتعظيمه وان هذا الأمر قد حيل بين النفوس وبينه فلا سبيل لها أليه وهو حمل يثقل عليها لا تستقل به ونحو ذلك.وأما بأرخصه على النفوس وأن الاشتغال ينبغي أن يكون بما هو أعلى عند الناس وأعز عليهم واغرب عندهم والقابلون له أكثر وأما الحق فهو مهجور وقائله معرض نفسه للعداوة. والرائج بين الناس أولى بالإيثار ونحو ذلك فيدخلون الباطل عليه في كل قالب يقلبه ويخف عليه وتخرجون له في قالب يكرهه ويثقل عليه.وإذا شئت أن تعرف ذلك انظر إلى إخوانهم من شياطين الأنس كيف يخرجون الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر في قالب كثرة الفضول وتتبع عثرات الناس والتعرض من البلا لما لا يطيق وإلقاء الفتن بين الناس ونحو ذلك.والمقصود أن الشيطان لزم ثغر الأذن أن يدخل فيها ما يضر العبد ولا ينفعه ويمنع أن يدخل إليها ما ينفعه وأن دخل بغير اختيار أفسده عليه.ثم يقول: قوموا على ثغر اللسان، فإنه الثغر الأعظم، وهو قبالة الملك، فأجروا عليه من الكلام ما يضره ولا ينفعه وامنعوه أن يجري عليه شيء مما ينفعه، من ذكر الله تعالى، واستغفاره، وتلاوة كتابه ونصيحة عباده، والتكلم بالعلم النافع، ويكون في هذا الثغر أمران عظيمان، لا تبالون بأيهما ظفرتم.أحدهما: التكلم بالباطل، فإن المتكلم بالباطل أخ من إخوانكم ومن اكبر جندكم وأعوانكم.والثاني: السكوت عن الحلق، فإن الساكت عن الحق أخ لكم أخرس، كما أن الأول أخ ناطق، وربما كان الأخ الثاني أنفع أخويكم لكم، أما سمعتم قول الناصح «المتكلم بالباطل شيطان ناطق، والساكت عن الحق شيطان أخرس».فالرباط على هذا الثغر أن يتكلم بحق أو يمسك عن باطل وزينوا له التكلم بالباطل بكل طريق، وخوفوه من التكلم بالحق بكل طريق. واعلموا يا بني أن ثغر اللسان هو الذي أهلك منه بني آدم وأكبهم منه على مناخرهم في النار فكم لي من قتيل وأسير وجريح أخذته من هذا الثغر.وأوصيكم بوصية فاحفظوها، لينطق أحدكم على لسان أخيه من الإنس بالكلمة، ويكون الآخر على لسان السامع، فينطق باستحسانها وتعظيمها والتعجب منها، ويطلب من أخيه إعادتها، وكونوا أعوانًا على الإنس بكل طريقٍ، وادخلوا عليهم من كل بابٍ، واقعدوا لهم كل مرصد.أما سمعتم قسمي الذي أقسمت به لربهم حيث قلت: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [16: 17] أو ما تروني قد قعدت لابن آدم بطرقة كلها، فلا يفوتني من طريق إلا قعدت له بطريق غيره، حتى أصيب منه حاجتي أو بعضها.وقد حذرهم ذلك رسولهم وقال لهم: «إن الشيطان قد قعد لابن آدم بطرقه كلها، وقعد له بطريق الإسلام. فقال أتسلم وتذر دينك ودين آبائك، فخالفه وأسلم.فقعد له بطريق الهجرة، فقال: أتهاجر وتذر أرضك وسماءك، فخالفه وهاجر، فقعد له بطريق الجهاد، فقال: أتجاهد فتقتل فيقسم المال وتنكح الزوجة».فهكذا فاقعدوا لهم بكل طرق الخير، فإذا أراد أحدهم أن يتصدق فاقعدوا له على طريق الصدقة، وقولوا له في نفسه: أتخرج المال فتبقى مثل هذا السائل، وتصير بمنزلته أنت وهو سواء.أو ما سمعتم ما ألقيت على لسان رجل سأله آخر أن يتصدق عليه، فقال: هي أموالنا إن أعطيناكموها صرنا مثلكم.واقعدوا له بطريق الحج، فقولوا: طريقة مخوفة مشقة، يتعرض سالكها لتلف النفس والمال، وهكذا فاقعدوا على سائر طرق الخير بالتنفير عنها وذكر صعوبتها وآفاتها.ثم أقعدوا لهم على طرق المعاصي فحسنوها في أعين بني آدم، وزينوها في قلوبهم، واجعلوا أكثر أعوانكم على ذلك النساء، فمن أبوابهن فادخلوا عليهم فنعم العون هن لكم.ثم الزموا ثغر اليدين والرجلين، فامنعوها أن تبطش بما يضركم وتمشي فيه. اللهم ألحقنا بعبادك الصالحين الأبرار، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ’ وقنا عذاب النار، واغفر لنا ولوالدينا، ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.فصل:وقال رحمه الله يحكيه في التحذير عن إبليس وجنوده:واعملوا أن أعوانكم على لزوم الثغور مصالحة النفس الأمارة فأعينوها واستعينوا بها، وأمدها واستمدوا منها، وكونوا معها على حرب النفس المطمئنة فاجتهدوا في كسرها وابطال قواها ولا سبيل إلى ذلك ألا بقطع موادها عنها.فإذا انقطعت موادها وقويت مواد النفس الأمارة، وانطاعت لكم أعوانها فاستنزلوا القلب من حصنه، واعزلوه عن مملكته، وولوا مكانه النفس المارة، فأنها لا تأمر إلا بما ترونه وتحبونه، ولا تجيئكم بما تكرهونه البتة، مع أنها لا تخالفكم في شيء تشيرون به عليها، بل إذا أشرتم عليها بشيء بادرت إلى فعله.فان أحسنتم من القلب منازعة إلى مملكته، وأردتم الأمن من ذلك فاعقدوا بينه وبين النفس عقد النكاح، فزينوها وجملوها وأوروها إياه في أحسن صورة عروس توجد، وقولوا له: ذق طعم هذا الوصال وتمتع بهذه العروس، كما ذقت طعم الحرب وباشرت مرارة الطعن والضرب.ثم وازن بين لذة هذه المسألة ومرارة تلك المحاربة، فدع الحرب تضع أوزارها، فليست بيوم وتنقضي، وإنما هو حرب متصل بالموت، وقواك تضعف عن حرب دائم.واستعينوا يا بني بجندين عظيمين لن تغلبوا معهما:أحدهما: جند الغفلة، فأغفلوا قلوب بني آدم عن الله تعالى والدار الآخرة بكل طريق، فليس لكم شيء أبلغ في تحصيل غرضكم من ذلك، فإن القلب إذا غفل عن الله تعالى تمكنتم منه ومن إغوائه.والثاني: جند الشهوات، فزينوها في قلوبهم، وحسنوها في أعينهم وصلوا عليهم بهذين العسكريين، فليس لكم من بني آدم ابلغ منهما، واستعينوا على الغفلة بالشهوات، وعلى الشهوات بالغفلة وأقرنوا بين الغافلين.ثم استعينوا بهما على الذاكر، ولا يغلب واحد خمسة، فإن مع كل واحد من الغافلين شيطانين صاروا أربعة، وشيطان الذكر معهم، وإذا رأيتم جماعة مجتمعين على ما يضركم_ من ذكر الله أو مذاكرة أمره ونهيه ودينه، ولم تقدروا على تفريقهم- فاستعينوا عليهم ببني جنسهم من الأنس البطالين، فقربوهم منهم، وشوشوا عليهم بهم.وبالجملة فأعدوا للأمور أقرانها، وادخلوا على كل واحد من بني آدم من باب إرادته وشهوته، فساعدوه عليها، وكونوا أعوانا له على تحصيلها، وإذا كان الله قد أمرهم أن يصيروا لكم ويصابروكم ويرابطوا عليكم الثغور فاصبروا وأنتم صابروا ورابطوا عليهم بالثغور، وانتهزوا فرصكم فيهم عند الشهوة والغضب، فلا تصطادون بني آدم في أعظم من هذين الموطنين.واعلموا أن منهم من يكون سلطان الشهوة عليه أغلب وسلطان غضبه ضعيف مقهور، فخذوا عليه طريق الشهوة، ودعوا طريق الغضب، ومنهم من يكون سلطان الغضب عليه أغلب، فلا تخلوا طريق الشهوة قلبه، ولا تعطلوا ثغرها، فإن من لم يملك نفسه عند الغضب فإنه بالحري أن لا يملك نفسه عند الشهوة، فزوجوا بين غضبه وشهوته وامزجوا أحدهما بالآخر، وادعوه إلى الشهوة من باب الغضب، والى الغضب من طريق الشهوة.واعلموا أنه ليس لكم في بني آدم سلاح أبلغ من هذين السلاحين وإنما أخرجت أبويهم من الجنة بالشهوة وإنما ألقيت العداوة بين أولادهم بالغضب فبه قطعت أرحامهم وسفكت دمائهم وبه قتل أحد ابني آدم أخاه واعلموا أن الغضب جمرة في قلب ابن آدم والشهوة نار تثور من قلبه وإنما تطفأ النار بالماء والصلاة والذكر والتكبير.فإياكم أن تمكنوا ابن آدم عند غضبه وشهوته من قربان الوضوء والصلاة فان ذلك عنهم نار الغضب والشهوة وقد أمرهم نبيهم بذلك فقال إن الغضب جمرة في قلب ابن آدم أما رأيتم من احمرار عينيه وانتفاخ أودجه فمن أحس بذلك فليتوضأ وقال لهم إنما تطفأ النار بالماء وقد أوصاهم أن يستعينوا عليكم بالصبر والصلاة.فحولوا بينهم وبين ذلك وأنسوهم إياه واستعينوا عليهم بالشهوة والغضب وأبلغ أسلحتكم فيهم وأنكاها الغفلة وأتباع الهوى وأعظم أسلحتهم فيكم وأمنع حصونهم ذكر الله ومخالفة الهوى فإذا رأيتم الرجل لهواه فاهربوا من ظله ولا تدنوا منه.والمقصود أن الذنوب والمعاصي سلاح ومدد يمد بها العبد أعداءه ويعينهم بها على نفسه فيقاتلونه بسلاحه ويكون معهم على نفسه وهذا غاية الجهل.انتهى كلامه رحمه الله بتصرف يسير.وقال رحمه الله يصف الدنيا:
|