الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)
.بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ: (وَإِذَا كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ أَوْ كِلَاهُمَا مُحَرَّمًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ كَالْبَيْعِ بِالْمَيِّتَةِ وَالدَّمِ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ مَمْلُوكٍ كَالْحُرِّ) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: هَذِهِ فُصُولٌ جَمَعَهَا وَفِيهَا تَفْصِيلٌ نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَنَقُولُ: الْبَيْعُ بِالْمَيِّتَةِ وَالدَّمِ بَاطِلٌ، وَكَذَا بِالْحُرِّ لِانْعِدَامِ رُكْنِ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُعَدُّ مَالًا عِنْدَ أَحَدٍ، وَالْبَيْعُ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَاسِدٌ لِوُجُودِ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَإِنَّهُ مَالٌ عِنْدَ الْبَعْضِ وَالْبَاطِلُ لَا يُفِيدُ مِلْكَ التَّصَرُّفِ، وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِيهِ يَكُونُ أَمَانَةً عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَبَقِيَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَعِنْدَ الْبَعْضِ يَكُونُ مَضْمُونًا لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، وَقِيلَ الْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَالثَّانِي قَوْلُهُمَا كَمَا فِي بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.وَالْفَاسِدُ يُفِيدُ الْمِلْكَ عِنْدَ اتِّصَالِ الْقَبْضِ بِهِ وَيَكُونُ الْبَيْعُ مَضْمُونًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِيهِ، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَسَنُبَيِّنُهُ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.وَكَذَا بَيْعُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْحُرِّ بَاطِلٌ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَمْوَالًا فَلَا تَكُونُ مَحِلًّا لِلْبَيْعِ، وَأَمَّا بَيْعُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ إنْ كَانَ قُوبِلَ بِالدَّيْنِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ قُوبِلَ بِعَيْنٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ حَتَّى يَمْلِكَ مَا يُقَابِلُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ عَيْنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ.وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ، وَكَذَا الْخِنْزِيرُ مَالٌ عِنْدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ لِمَا أَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ بِإِهَانَتِهِ وَتَرْكَ إعْزَازِهِ وَفِي تَمَلُّكِهِ بِالْعَقْدِ مَقْصُودًا إعْزَازًا لَهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مَتَى اشْتَرَاهُمَا بِالدَّرَاهِمِ فَالدَّرَاهِمُ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لِكَوْنِهَا وَسِيلَةً لِمَا أَنَّهَا تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْخَمْرُ فَسَقَطَ التَّقَوُّمُ أَصْلًا بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى الثَّوْبَ بِالْخَمْرِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لِلثَّوْبِ إنَّمَا يَقْصِدُ تَمَلُّكَ الثَّوْبِ بِالْخَمْرِ وَفِيهِ إعْزَازٌ لِلثَّوْبِ دُونَ الْخَمْرِ فَبَقِيَ ذِكْرُ الْخَمْرِ مُعْتَبَرًا فِي تَمَلُّكِ الثَّوْبِ لَا فِي حَقِّ نَفْسِ الْخَمْرِ حَتَّى فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ وَوَجَبَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ دُونَ الْخَمْرِ، وَكَذَا إذَا بَاعَ الْخَمْرَ بِالثَّوْبِ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ شِرَاءُ الثَّوْبِ بِالْخَمْرِ لِكَوْنِهِ مُقَايَضَةً.قَالَ: (وَبَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْخُلْعُ فَاسِدٌ) وَمَعْنَاهُ بَاطِلٌ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ قَدْ ثَبَتَ لِأُمِّ الْوَلَدِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» وَسَبَبُ الْحُرِّيَّةِ الْعَقْدُ فِي حَقِّ الْمُدَبَّرِ فِي الْحَالِ لِبُطْلَانِ الْأَهْلِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْمُكَاتَبُ اسْتَحَقَّ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ لَازِمَةً فِي حَقِّ الْمَوْلَى، وَلَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ بِالْبَيْعِ لَبَطَلَ ذَلِكَ كُلُّهُ فَلَا يَجُوزُ، وَلَوْ رَضِيَ بِالْخُلْعِ وَالْبَيْعِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: وَالْأَظْهَرُ الْجَوَازُ وَالْمُرَادُ الْمُدَبَّرُ الْمُطْلَقُ دُونَ الْمُقَيَّدِ.وَفِي الْمُطْلَقِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْعَتَاقِ.الشرح:بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ:الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: حَدِيثُ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا، تَقَدَّمَ فِي الِاسْتِيلَادِ.قَالَ: (وَإِنْ مَاتَتْ أُمُّ الْوَلَدِ أَوْ الْمُدَبَّرُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَا عَلَيْهِ قِيمَتُهُمَا) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ، لَهُمَا أَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِجِهَةِ الْبَيْعِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ يَدْخُلَانِ تَحْتَ الْبَيْعِ حَتَّى يَمْلِكَ مَا يُضَمُّ إلَيْهِمَا فِي الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّهِ الْقَبْضُ وَهَذَا الضَّمَانُ بِهِ.وَلَهُ أَنَّ جِهَةَ الْبَيْعِ إنَّمَا تَلْحَقُ بِحَقِيقَتِهِ فِي مَحِلٍّ يَقْبَلُ الْحَقِيقَةَ وَهُمَا لَا يَقْبَلَانِ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ، فَصَارَا كَالْمُكَاتِبِ، وَلَيْسَ دُخُولُهُمَا فِي الْبَيْعِ فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِيَثْبُتَ حُكْمُ الْبَيْعِ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِمَا فَصَارَ كَمَالِ الْمُشْتَرِي لَا يَدْخُلُ فِي حُكْمِ عَقْدِهِ بِانْفِرَادِهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُ الدُّخُولِ فِيمَا ضَمَّهُ إلَيْهِ كَذَا هَذَا.قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ السَّمَكِ قَبْلَ أَنْ يُصْطَادَ) لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَا يَمْلِكُهُ (وَلَا فِي حَظِيرَةٍ إذَا كَانَ لَا يُؤْخَذُ إلَّا بِصَيْدٍ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ، وَمَعْنَاهُ إذَا أَخَذَهُ ثُمَّ أَلْقَاهُ فِيهَا وَلَوْ كَانَ يُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِهِ حِيلَةً جَازَ إلَّا إذَا اجْتَمَعَتْ فِيهَا بِأَنْفُسِهَا وَلَمْ يَسُدَّ عَلَيْهَا الْمَدْخَلَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ.قَالَ: (وَلَا بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ قَبْلَ الْأَخْذِ، وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ (وَلَا بَيْعُ الْحَمْلِ وَلَا النِّتَاجِ) لِنَهْيِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ بَيْعِ الْحَبَلِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرًا.قَالَ: (وَلَا اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ) لِلْغَرَرِ فَعَسَاهُ انْتِفَاخٌ وَلِأَنَّهُ يُنَازِعُ فِي كَيْفِيَّةِ الْحَلْبِ وَرُبَّمَا يَزْدَادُ فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ.الشرح:الْحَدِيثُ الثَّانِي: «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْحَبَلِ، وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ».قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَفِيهِ أَحَادِيثُ: فَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ، وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ، قَالَ: وَالْمَضَامِينُ مَا فِي أَصْلَابِ الْإِبِلِ، وَالْمَلَاقِيحُ مَا فِي بُطُونِهَا، وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ وَلَدُ وَلَدِ هَذِهِ النَّاقَةِ»، انْتَهَى.حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا أَبُو كُرَيْبٌ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْيَشْكُرِيُّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَضَامِينِ، وَالْمَلَاقِيحِ، وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ»، انْتَهَى.وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ ثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بِهِ.حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُفْيَانَ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ سَوَاءً، وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ بِهِ، قَالَ الْبَزَّارُ: وَصَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ لَيْسَ بِالْحَافِظِ، انْتَهَى.حَدِيثٌ آخَرُ: يُشْبِهُ الْمَرْفُوعَ: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: لَا رِبَا فِي الْحَيَوَانِ، وَإِنَّمَا نَهَى مِنْ الْحَيَوَانِ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ الْمَضَامِينِ، وَالْمَلَاقِيحِ، وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ، فَالْمَضَامِينُ مَا فِي بُطُونِ إنَاثِ الْإِبِلِ، وَالْمَلَاقِيحُ مَا فِي ظُهُورِ الْجَمَالِ، وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ، فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ الصَّحِيحَيْنِ، وَشَطْرُ الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ، كَانَ بَيْعًا يَتَبَايَعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إلَى أَنْ يُنْتِجَ النَّاقَةَ، ثُمَّ يُنْتِجَ الَّذِي فِي بَطْنِهَا»، انْتَهَى.وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ أَنْ تُنْتِجَ النَّاقَةُ، ثُمَّ تَحْمِلَ الَّتِي نَتَجَتْ، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: «ثُمَّ تُنْتِجَ الَّتِي نَتَجَتْ»، وَفِي لَفْظٍ لِلْبَزَّارِ فِي مُسْنَدِهِ: «وَهُوَ نِتَاجُ النِّتَاجِ».وَأَخْرَجَهُ الْبَاقُونَ مِنْ الْأَئِمَّةِ السِّتَّةِ، وَشَطْرُهُ الْأَوَّلُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَهْضَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ شِرَاءِ مَا فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ حَتَّى تَضَعَ»، الْحَدِيثَ، وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْآبِقِ.قَالَ: (وَلَا الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ) لِأَنَّهُ مِنْ أَوْصَافِ الْحَيَوَانِ وَلِأَنَّهُ يَنْبُتُ مِنْ أَسْفَلَ، فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْقَوَائِمِ لِأَنَّهَا تَزِيدُ مِنْ أَعْلَى وَبِخِلَافِ الْفَصِيلِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ قَلْعُهُ وَالْقَطْعُ فِي الصُّوفِ مُتَعَيِّنٌ فَيَقَعُ التَّنَازُعُ فِي مَوْضِعِ الْقَطْعِ.وَقَدْ صَحَّ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ وَعَنْ لَبَنٍ فِي ضَرْعٍ وَعَنْ سَمْنٍ فِي لَبَنٍ»، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الصُّوفِ حَيْثُ جَوَّزَ بَيْعَهُ فِيمَا يُرْوَى عَنْهُ.قَالَ: (وَجِذْعٍ فِي سَقْفٍ وَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ، ذَكَرَا الْقَطْعَ أَوْ لَمْ يَذْكُرَاهُ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِضَرَرٍ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ نُقْرَةِ فِضَّةٍ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي تَبْعِيضِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِلْجَهَالَةِ أَيْضًا، لَوْ قَطَعَ الْبَائِعُ الذَّرْعَ أَوْ قَلَعَ الْجِذْعَ قَبْلَ أَنْ يَفْسَخَ الْمُشْتَرِي يَعُودُ صَحِيحًا لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ النَّوَى فِي التَّمْرِ أَوْ الْبَذْرَ فِي الْبِطِّيخِ حَيْثُ لَا يَكُونُ صَحِيحًا وَإِنْ شَقَّهُمَا وَأَخْرَجَ الْمَبِيعَ لِأَنَّ فِي وُجُودِهِمَا احْتِمَالًا، أَمَّا الْجِذْعُ فَعَيْنٌ مَوْجُودٌ.قَالَ (وَضَرْبَةِ الْقَانِصِ) وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّيْدِ بِضَرْبِ الشَّبَكَةِ مَرَّةً لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرًا.الشرح:الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: وَقَدْ صَحَّ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ، وَعَنْ لَبَنٍ فِي ضَرْعٍ، وَسَمْنٍ فِي لَبَنٍ».قُلْت: رُوِيَ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا مُسْنَدًا، وَمُرْسَلًا.فَالْمَرْفُوعُ الْمُسْنَدُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ الضَّبِّيُّ ثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْحَوْضِيُّ ثَنَا عَمْرُو بْنُ فَرُّوخَ ثَنَا حَبِيبُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُبَاعَ ثَمَرَةٌ حَتَّى تُطْعَمَ، وَلَا يُبَاعَ صُوفٌ عَلَى ظَهْرٍ، وَلَا لَبَنٌ فِي ضَرْعٍ»، انْتَهَى.وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَيْهِمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ فَرُّوخَ بِهِ.قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَأَرْسَلَهُ وَكِيعٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ فَرُّوخَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ فَرُّوخَ بِهِ مُرْسَلًا، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِرَفْعِهِ عَمْرُو بْنُ فَرُّوخَ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى.وَنَقَلَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ تَوْثِيقَ عَمْرِو بْنِ فَرُّوخَ عَنْ أَبِي دَاوُد، وَابْنِ مَعِينٍ، وَأَبِي حَاتِمٍ.وَأَمَّا الْمُرْسَلُ: فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عَمْرِو بْنِ فَرُّوخَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَلَا حَبِيبَ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ بِسَنَدِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ: «نَهَى أَنْ يُبَاعَ لَبَنٌ فِي ضَرْعٍ، أَوْ سَمْنٌ فِي لَبَنٍ»، انْتَهَى.وَتُرَاجَعُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ فَرُّوخَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ.وَأَمَّا الْمَوْقُوفُ: فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيِّ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَا يُبَاعُ أَصْوَافُ الْغَنَمِ عَلَى ظُهُورِهَا، وَلَا أَلْبَانُهَا فِي ضُرُوعِهَا، انْتَهَى.وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ بَيْعِ اللَّبَنِ فِي ضُرُوعِ الْغَنَمِ، وَالصُّوفِ عَلَى ظُهُورِهَا، انْتَهَى.قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرُوِيَ مَرْفُوعًا وَالصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ، انْتَهَى.قَالَ: (وَبَيْعِ الْمُزَابَنَةِ وَهُوَ بَيْعُ التَّمْرِ عَلَى النَّخِيلِ بِتَمْرٍ مَجْذُوذٍ مِثْلِ كَيْلِهِ خَرْصًا) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ، فَالْمُزَابَنَةُ مَا ذَكَرْنَا وَالْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِحِنْطَةٍ مِثْلِ كَيْلِهَا خَرْصًا وَلِأَنَّهُ بَاعَ مَكِيلًا بِمَكِيلٍ مِنْ جِنْسِهِ فَلَا تَجُوزُ بِطَرِيقِ الْخَرْصِ كَمَا إذَا كَانَا مَوْضُوعَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ وَكَذَا الْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ عَلَى هَذَا.وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ: «لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا» وَهُوَ أَنْ يُبَاعَ بِخَرْصِهَا تَمْرًا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ.قُلْنَا الْعَرِيَّةُ الْعَطِيَّةُ لُغَةً، وَتَأْوِيلُهُ أَنْ يَبِيعَ الْمُعْرَى لَهُ مَا عَلَى النَّخِيلِ مِنْ الْمُعْرِي بِتَمْرٍ مَجْذُوذٍ وَهُوَ بَيْعٌ مَجَازًا لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ فَيَكُونُ بُرًّا مُبْتَدَأً.الشرح:الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ».قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.فَحَدِيثُ جَابِرٍ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُحَاقَلَةِ»، زَادَ مُسْلِمٌ فِي لَفْظٍ: «وَعَنْ الثُّنْيَا، إلَّا أَنْ يُعْلَمَ»، انْتَهَى.وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي لَفْظٍ: وَزَعَمَ جَابِرٌ أَنَّ الْمُزَابَنَةَ بَيْعُ الرُّطَبِ فِي النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا، وَالْمُحَاقَلَةَ فِي الزَّرْعِ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ، يَبِيعُ الزَّرْعَ الْقَائِمَ بِالْحَبِّ كَيْلًا، وَفِي لَفْظٍ لَهُ، قَالَ: وَالْمُحَاقَلَةُ أَنْ يُبَاعَ الْحَقْلُ بِكَيْلٍ مِنْ الطَّعَامِ مَعْلُومٍ، وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يُبَاعَ النَّخْلُ بِأَوْسَاقٍ مِنْ التَّمْرِ.وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ: فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، عَنْهُ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُزَابَنَةُ اشْتِرَاءُ التَّمْرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ، وَالْمُحَاقَلَةُ كِرَاءُ الْأَرْضِ»، انْتَهَى.وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ، قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُزَابَنَةِ»، انْتَهَى.وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ: فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْهُ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُخَابَرَةِ، وَالْمُلَامَسَةِ، وَالْمُنَابَذَةِ، وَالْمُزَابَنَةِ»، انْتَهَى.وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُحَاقَلَةِ»، انْتَهَى.الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ، وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا، وَهُوَ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا تَمْرًا، فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ».قُلْت: النَّهْيُ عَنْ الْمُزَابَنَةِ تَقَدَّمَ، وَأَمَّا الْعَرَايَا فَأَخْرَجَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ»، شَكَّ دَاوُد، قَالَ: دُونَ خَمْسَةٍ، أَوْ فِي خَمْسَةٍ، انْتَهَى.وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَقَالَ: ذَلِكَ الرِّبَا تِلْكَ الْمُزَابَنَةُ، إلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ، النَّخْلَةِ، وَالنَّخْلَتَيْنِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ بِخَرْصِهَا كَيْلًا»، انْتَهَى.وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: ذَلِكَ الزَّبْنُ، عِوَضُ: الرِّبَا، وَالْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ لَيْسَ فِيهِ: تِلْكَ الْمُزَابَنَةُ، وَلَا الزَّبْنُ، وَأَخْرَجَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا»، وَفِي لَفْظٍ رَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ أَنْ يُؤْخَذَ بِمِثْلِ خَرْصِهَا تَمْرًا، يَأْكُلَهَا أَهْلُهَا رُطَبًا، انْتَهَى.قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ فِي صِحَّةِ بَيْعِ الْعَرَايَا، إلَّا أَنَّهُ خَالَفَنَا فِي إبَاحَتِهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، قَالَ الْإِمَامُ مُوَفَّقُ الدِّينِ فِي الْكَافِي: رَوَى مَحْمُودُ بْنُ لِبِيدٍ، قَالَ: قُلْت لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: مَا عَرَايَاكُمْ هَذِهِ؟ فَسَمَّى رِجَالًا مُحْتَاجِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ شَكَوْا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الرُّطَبَ يَأْتِي وَلَا نَقْدَ بِأَيْدِيهِمْ يَبْتَاعُونَ بِهِ رُطَبًا يَأْكُلُونَهُ، وَعِنْدَهُمْ فُضُولٌ مِنْ التَّمْرِ، فَرَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَبْتَاعُوا الْعَرِيَّةَ بِخَرْصٍ مِنْ التَّمْرِ، يَأْكُلُونَهُ رُطَبًا، قَالَ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَوُهِمَ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلَا فِي السُّنَنِ، بَلْ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ، وَلَمْ أَجِدْ لَهُ سَنَدًا بَعْدَ الْفَحْصِ الْبَالِغِ، وَلَكِنَّ الشَّافِعِيَّ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ فِي بَابِ الْعَرَايَا بِغَيْرِ إسْنَادٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ.قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِإِلْقَاءِ الْحَجَرِ وَالْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ) وَهَذِهِ بُيُوعٌ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ أَنْ يَتَرَاوَضَ الرَّجُلَانِ عَلَى سِلْعَةٍ أَيْ يَتَسَاوَمَانِ فَإِذَا لَمَسَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ نَبَذَهَا إلَيْهِ الْبَائِعُ أَوْ وَضَعَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا حَصَاةً لَزِمَ الْبَيْعُ، فَالْأَوَّلُ بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ وَالثَّانِي بَيْعُ الْمُنَابَذَةِ وَالثَّالِثُ إلْقَاءُ الْحَجَرِ، وَقَدْ: «نَهَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ بَيْعِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ» وَلِأَنَّ فِيهِ تَعْلِيقًا بِالْخَطَرِ.قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ ثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ) لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ، وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ جَازَ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِفُرُوعِهِ.الشرح:الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ».قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ الْخُدْرِيِّ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ وَلُبْسَتَيْنِ، نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ فِي الْبَيْعِ، وَالْمُلَامَسَةِ: لَمْسِ الرَّجُلِ ثَوْبَ الْآخَرِ بِيَدِهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَلَا يُقَلِّبُهُ إلَّا بِذَلِكَ، وَالْمُنَابَذَةُ: أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ ثَوْبَهُ، وَيَنْبِذَ الْآخَرُ إلَيْهِ ثَوْبَهُ، وَيَكُونُ بِذَلِكَ بَيْعُهُمَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ، وَلَا تَرَاضٍ»، انْتَهَى.وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ، وَالْمُنَابَذَةِ»، زَادَ مُسْلِمٌ: أَمَّا الْمُلَامَسَةُ، فَأَنْ يَلْمِسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَ صَاحِبِهِ، بِغَيْرِ تَأَمُّلٍ، وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَهُ إلَى الْآخَرِ، وَلَمْ يَنْظُرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَى ثَوْبِ صَاحِبِهِ، انْتَهَى.وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِ الْمُزَابَنَةِ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ»، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا.قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَرَاعِي وَلَا إجَارَتُهَا) الْمُرَادُ الْكَلَأُ، أَمَّا الْبَيْعُ فَلِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مَا لَا يَمْلِكُهُ لِاشْتِرَاكِ النَّاسِ فِيهِ بِالْحَدِيثِ، وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَلِأَنَّهَا عُقِدَتْ عَلَى اسْتِهْلَاكِ عَيْنِ مُبَاحٍ، وَلَوْ عُقِدَتْ عَلَى اسْتِهْلَاكِ عَيْنِ مَمْلُوكٍ بِأَنْ اسْتَأْجَرَ بَقَرَةً لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا لَا يَجُوزُ فَهَذَا أَوْلَى.الشرح:قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَرَاعِي، وَلَا إجَارَتُهَا، وَالْمُرَادُ الْكَلَأُ، أَمَّا الْبَيْعُ فَلِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مَا لَا يَمْلِكُهُ لِاشْتِرَاكِ النَّاسِ فِيهِ بِالْحَدِيثِ.قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ: «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ: الْكَلَإِ، وَالنَّارِ، وَالْمَاءِ»، وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ النَّحْلِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَجُوزُ إذَا كَانَ مُحْرَزًا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ حَقِيقَةً وَشَرْعًا فَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُؤْكَلُ كَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ.وَلَهُمَا أَنَّهُ مِنْ الْهَوَامِّ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالزَّنَابِيرِ وَالِانْتِفَاعُ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ لَا بِعَيْنِهِ فَلَا يَكُونُ مُنْتَفَعًا بِهِ قَبْلَ الْخُرُوجِ حَتَّى لَوْ بَاعَ كُوَّارَةً فِيهَا عَسَلٌ بِمَا فِيهَا مِنْ النَّحْلِ يَجُوزُ تَبَعًا لَهُ كَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ دُودِ الْقَزِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ) لِأَنَّهُ مِنْ الْهَوَامِّ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ إذَا ظَهَرَ فِيهِ الْقَزُّ تَبَعًا لَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ لِكَوْنِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَوْرِدِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدُهُمَا يَجُوزُ) لِمَكَانِ الضَّرُورَة، وَقِيلَ: أَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي دُودِ الْقَزِّ وَالْحَمَامِ إذَا عَلِمَ عَدَدَهَا وَأَمْكَنَ تَسْلِيمُهَا جَازَ بَيْعُهَا لِأَنَّهُ مَالٌ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ.(وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْآبِقِ) لِنَهْيِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْهُ وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ إلَّا أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ رَجُلٍ زَعَمَ أَنَّهُ عِنْدَهُ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ بَيْعُ آبِقٍ مُطْلَقٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ آبِقًا فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهَذَا غَيْرُ آبِقٍ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي انْتَفَى الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ وَهُوَ الْمَانِعُ ثُمَّ لَا يَصِيرُ قَابِضًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ وَكَانَ أَشْهَدَ عِنْدَ أَخْذِهِ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ، وَقَبْضُ الْأَمَانَةِ لَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْبَيْعِ وَلَوْ كَانَ لَمْ يُشْهِدْ يَجِبُ أَنْ يَصِيرَ قَابِضًا لِأَنَّهُ قَبْضُ غَصْبٍ، وَلَوْ قَالَ: هُوَ عِنْدَ فُلَانٍ فَبِعْهُ مِنِّي فَبَاعَهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ آبِقٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَلَوْ بَاعَ الْآبِقَ ثُمَّ عَادَ مِنْ الْإِبَاقِ لَا يَتِمُّ ذَلِكَ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ بَيْعٌ بَاطِلٌ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ كَبَيْعِ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ.وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ يَتِمُّ الْعَقْدُ إذَا لَمْ يُفْسَخْ لِأَنَّ الْعَقْدَ انْعَقَدَ لِقِيَامِ الْمَالِيَّةِ وَالْمَانِعُ قَدْ ارْتَفَعَ وَهُوَ الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ، كَمَا إذَا أَبِقَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَهَكَذَا يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدٍ.الشرح:الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعَبْدِ الْآبِقِ»، قُلْت رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَهْضَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ شِرَاءِ مَا فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ حَتَّى تَضَعَ، وَعَنْ بَيْعِ مَا فِي ضُرُوعِهَا، وَعَنْ شِرَاءِ الْعَبْدِ وَهُوَ آبِقٌ، وَعَنْ شِرَاءِ الْمَغَانِمِ حَتَّى تُقَسَّمَ، وَعَنْ شِرَاءِ الصَّدَقَاتِ حَتَّى تُقْبَضَ، وَعَنْ ضَرْبَةِ الْقَانِصِ»، انْتَهَى.وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَابْنُ شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي إسْنَادِهِ مُحَمَّدَ بْنَ إبْرَاهِيمَ، وَمِنْ جِهَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ، وَقَالَ: إسْنَادٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَشَهْرٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَيَحْيَى بْنُ الْعَلَاءِ الرَّازِيّ شَيْخُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ضَعِيفٌ، وَهُوَ يَرْوِي عَنْ جَهْضَمٍ بِهِ، قَالَ ابْنُ قَطَّانٍ: وَسَنَدُ الدَّارَقُطْنِيِّ يُبَيِّنُ أَنَّ سَنَدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مُنْقَطِعٌ، انْتَهَى.وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَهْضَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَمَامِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْبَاهِلِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى، الْحَدِيثَ، فَقَالَ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ: هَذَا شَيْخٌ مَجْهُولٌ، انْتَهَى.قُلْت: وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدِّمَشْقِيُّ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ الْحَارِثِ أَبُو الْأَشْهَبِ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيَّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا بِتَمَامِهِ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَعَنْ بَيْعِ الْعَبْدِ، وَهُوَ آبِقٌ، عِوَضَ قَوْلِهِ: وَشِرَاءِ.قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ امْرَأَةٍ فِي قَدَحٍ).وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ مَشْرُوبٌ طَاهِرٌ.وَلَنَا أَنَّهُ جُزْءُ الْآدَمِيِّ وَهُوَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مُكَرَّمٌ مَصُونٌ عَنْ الِابْتِذَالِ بِالْبَيْعِ، وَلَا فَرْقَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ لَبَنِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَى نَفْسِهَا، فَكَذَا عَلَى جُزْئِهَا.قُلْنَا الرِّقُّ قَدْ حَلَّ نَفْسَهَا، فَأَمَّا اللَّبَنُ فَلَا رِقَّ فِيهِ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِمَحِلٍّ يَتَحَقَّقُ فِيهِ بِالْقُوَّةِ الَّتِي هِيَ ضِدُّهُ وَهُوَ الْحَيُّ وَلَا حَيَاةَ فِي اللَّبَنِ.قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ) لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إهَانَةً لَهُ وَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِلْخَرَزِ لِلضَّرُورَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَمَلَ لَا يَتَأَتَّى بِدُونِهِ وَيُوجَدُ مُبَاحَ الْأَصْلِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى الْبَيْعِ.وَلَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ أَفْسَدَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُفْسِدُهُ لِأَنَّ إطْلَاقَ الِانْتِفَاعِ بِهِ دَلِيلُ طَهَارَتِهِ، وَلِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْإِطْلَاقَ لِلضَّرُورَةِ فَلَا يَظْهَرُ إلَّا فِي حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَحَالَةُ الْوُقُوعِ تُغَايِرُهَا.قَالَ: (لَا يَجُوزُ بَيْعُ شُعُورِ الْإِنْسَانِ وَلَا الِانْتِفَاعُ بِهَا) لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مُكَرَّمٌ لَا مُبْتَذَلٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ مُهَانًا وَمُبْتَذَلًا، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ» الْحَدِيثَ، وَإِنَّمَا يُرَخَّصُ فِيمَا يُتَّخَذُ مِنْ الْوَبَرِ فَيَزِيدُ فِي قُرُونِ النِّسَاءِ وَذَوَائِبِهِنَّ.الشرح:الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ».قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ، فَأَبُو دَاوُد فِي التَّرَجُّلِ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي النِّكَاحِ، وَالْبَاقُونَ فِي اللِّبَاسِ، كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنْ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ»، انْتَهَى.وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ شَعْرِ الْإِنْسَانِ، وَالِانْتِفَاعِ بِهِ لِكَرَامَتِهِ، وَهُوَ غَيْرُ نَاجِحٍ.قَالَ: (وَلَا بَيْعُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ أَنْ تُدْبَغَ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ» وَهُوَ اسْمٌ لِغَيْرِ الْمَدْبُوغِ عَلَى مَا مَرَّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهَا وَالِانْتِفَاعِ بِهَا بَعْدَ الدِّبَاغِ) لِأَنَّهَا قَدْ طَهُرَتْ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ عِظَامِ الْمَيْتَةِ وَعَصَبِهَا وَصُوفِهَا وَقَرْنِهَا وَشَعْرِهَا وَوَبَرِهَا وَالِانْتِفَاعِ بِذَلِكَ كُلِّهِ) لِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ لَا يَحُلُّهَا الْمَوْتُ لِعَدَمِ الْحَيَاةِ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ، وَالْفِيلُ كَالْخِنْزِيرِ نَجِسُ الْعَيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَعِنْدَهُمَا بِمَنْزِلَةِ السِّبَاعِ حَتَّى يُبَاعَ عَظْمُهُ وَيُنْتَفَعَ بِهِ.الشرح:الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: حَدِيثُ: «لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ»، تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَاتِ.قَالَ: (وَإِذَا كَانَ السُّفْلُ لِرَجُلٍ وَعُلُوُّهُ لِآخَرَ فَسَقَطَا أَوْ سَقَطَ الْعُلُوُّ وَحْدَهُ فَبَاعَ صَاحِبُ الْعُلُوِّ عُلُوَّهُ لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ حَقَّ التَّعَلِّي لَيْسَ بِمَالٍ لِأَنَّ الْمَالَ مَا يُمْكِنُ إحْرَازُهُ، وَالْمَالُ هُوَ الْمَحِلُّ لِلْبَيْعِ بِخِلَافِ الشِّرْبِ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، وَمُنْفَرِدًا فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بَلْخٍ لِأَنَّهُ حَظٌّ مِنْ الْمَاءِ وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ وَلَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الشِّرْبِ.قَالَ: (وَبَيْعُ الطَّرِيقِ وَهِبَتُهُ جَائِزٌ وَبَيْعُ مَسِيلِ الْمَاءِ وَهِبَتُهُ بَاطِلٌ) وَالْمَسْأَلَةُ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، بَيْعُ رَقَبَةِ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ وَبَيْعُ حَقِّ الْمُرُورِ وَالتَّسْيِيلِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ الطَّرِيقَ مَعْلُومٌ لِأَنَّ لَهُ طُولًا وَعَرْضًا مَعْلُومًا.وَأَمَّا الْمَسِيلُ فَمَجْهُولٌ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى قَدْرُ مَا يَشْغَلُهُ مِنْ الْمَاءِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَفِي بَيْعِ حَقِّ الْمُرُورِ رِوَايَتَانِ.وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى إحْدَاهُمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَقِّ التَّسْيِيلِ أَنَّ حَقَّ الْمُرُورِ مَعْلُومٌ لِتَعَلُّقِهِ بِمَحِلٍّ مَعْلُومٍ وَهُوَ الطَّرِيقُ، أَمَّا الْمَسِيلُ عَلَى السَّطْحِ فَهُوَ نَظِيرُ حَقِّ التَّعَلِّي وَعَلَى الْأَرْضِ مَجْهُولٌ لِجَهَالَةِ مَحِلِّهِ.وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ حَقِّ الْمُرُورِ وَحَقِّ التَّعَلِّي عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ حَقَّ التَّعَلِّي يَتَعَلَّقُ بِعَيْنٍ لَا تَبْقَى وَهُوَ الْبِنَاءُ فَأَشْبَهَ الْمَنَافِعَ، أَمَّا حَقُّ الْمُرُورِ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنٍ تَبْقَى وَهُوَ الْأَرْضُ فَأَشْبَهَ الْأَعْيَانَ.قَالَ: (وَمَنْ بَاعَ جَارِيَةً فَإِذَا هُوَ غُلَامٌ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا) بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ كَبْشًا فَإِذَا هُوَ نَعْجَةٌ حَيْثُ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَيَتَخَيَّرُ، وَالْفَرْقُ يُبْتَنَى عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي النِّكَاحِ، لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهُوَ أَنَّ الْإِشَارَةَ مَعَ التَّسْمِيَةِ إذَا اجْتَمَعَتَا فَفِي مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُسَمَّى وَيَبْطُلُ لِانْعِدَامِهِ وَفِي مُتَّحِدِي الْجِنْسِ يَتَعَلَّقُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ وَيَنْعَقِدُ لِوُجُودِهِ وَيَتَخَيَّرُ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ كَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ فَإِذَا هُوَ كَاتِبٌ وَفِي مَسْأَلَتِنَا الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْأَغْرَاضِ، وَفِي الْحَيَوَانَاتِ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِلتَّقَارُبِ فِيهَا، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي هَذَا دُونَ الْأَصْلِ كَالْخَلِّ وَالدِّبْسِ جِنْسَانِ وَالْوَذَارِيُّ والزندنيجي عَلَى مَا قَالُوا جِنْسَانِ مَعَ اتِّحَادِ أَصْلِهِمَا.قَالَ: (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ حَالَّةً أَوْ نَسِيئَةً فَقَبَضَهَا ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ الْبَائِعِ بِخَمْسِمِائَةٍ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ الثَّانِي).وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَجُوزُ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ تَمَّ فِيهَا بِالْقَبْضِ فَصَارَ الْبَيْعُ مِنْ الْبَائِعِ وَمِنْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ وَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِالزِّيَادَةِ أَوْ بِالْعَرْضِ.وَلَنَا قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ وَقَدْ بَاعَتْ بِسِتِّمِائَةٍ بَعْدَمَا اشْتَرَتْ بِثَمَانِمِائَةٍ: بِئْسَمَا شَرَيْت وَاشْتَرَيْت، أَبْلِغِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبْطَلَ حَجَّهُ وَجِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إنْ لَمْ يَتُبْ وَلِأَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ الْمَبِيعُ وَوَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ بَقِيَ لَهُ فَضْلُ خَمْسِمِائَةٍ وَذَلِكَ بِلَا عِوَضٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بِالْعَرْضِ لِأَنَّ الْفَضْلَ إنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ الْمُجَانَسَةِ.الشرح:الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: قَالَتْ عَائِشَةُ لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ، وَقَدْ بَاعَتْ بِسِتِّمِائَةٍ بَعْدَمَا اشْتَرَتْ بِثَمَانِمِائَةٍ: بِئْسَ مَا اشْتَرَيْت وَشَرَيْت، أَبْلِغِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبْطَلَ حَجَّهُ وَجِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ لَمْ يَتُبْ.قُلْت: أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، وَالثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ امْرَأَتِهِ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ فِي نِسْوَةٍ، فَسَأَلَتْهَا امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ فَبِعْتهَا مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بِثَمَانِمِائَةٍ إلَى الْعَطَاءِ، ثُمَّ ابْتَعْتهَا مِنْهُ بِسِتِّمِائَةٍ، فَنَقَدْته السِّتَّمِائَةِ، وَكَتَبْت عَلَيْهِ ثَمَانَمِائَةٍ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: بِئْسَ مَا اشْتَرَيْت، وَبِئْسَ مَا اشْتَرَى، أَخْبِرِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا أَنْ يَتُوبَ، فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ لِعَائِشَةَ: أَرَأَيْت إنْ أَخَذْت رَأْسَ مَالِي وَرَدَدْت عَلَيْهِ الْفَضْلَ، فَقَالَتْ: «فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ»، انْتَهَى.وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَيْهِمَا عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ أُمِّهِ الْعَالِيَةِ، قَالَتْ: كُنْت قَاعِدَةً عِنْدَ عَائِشَةَ، فَأَتَتْهَا أُمُّ مُحِبَّةَ، فَقَالَتْ: إنِّي بِعْت زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ جَارِيَةً إلَى عَطَائِهِ، فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ.قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أُمُّ مُحِبَّةَ، وَالْعَالِيَةُ مَجْهُولَتَانِ لَا يُحْتَجُّ بِهِمَا، انْتَهَى.وَأُمُّ مُحِبَّةَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْحَاءِ هَكَذَا ضَبَطَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ، وَقَالَ: إنَّهَا امْرَأَةٌ تَرْوِي عَنْ عَائِشَةَ، رَوَى حَدِيثَهَا أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ عَنْ امْرَأَتِهِ الْعَالِيَةِ، وَرَوَاهُ أَيْضًا يُونُسُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أُمِّهِ الْعَالِيَةِ بِنْتِ أَيْفَعَ عَنْ أُمِّ مُحِبَّةَ عَنْ عَائِشَةَ، انْتَهَى.وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ امْرَأَتِهِ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ هِيَ، وَأُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، فَقَالَتْ أُمُّ وَلَدِ زَيْدٍ لِعَائِشَةَ: إنِّي بِعْت مِنْ زَيْدٍ غُلَامًا بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً، وَاشْتَرَيْت بِسِتِّمِائَةٍ نَقْدًا، فَقَالَتْ: أَبْلِغِي زَيْدًا أَنْ قَدْ أَبْطَلْت جِهَادَك مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا أَنْ تَتُوبَ، بِئْسَ مَا اشْتَرَيْت، وَبِئْسَ مَا شَرَيْت، انْتَهَى.قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: هَذَا إسْنَادٌ جَيِّدٌ، وَإِنْ كَانَ الشَّافِعِيُّ قَالَ: لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ عَنْ عَائِشَةَ، وَكَذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ، قَالَ فِي الْعَالِيَةِ: هِيَ مَجْهُولَةٌ، لَا يُحْتَجُّ بِهَا، فِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ، وَلَوْلَا أَنَّ عِنْدَ أُمِّ الْمُومِنِينَ عِلْمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذَا مُحَرَّمٌ لَمْ تَسْتَجِزْ أَنْ تَقُولَ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ بِالِاجْتِهَادِ، انْتَهَى.وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قَالُوا: الْعَالِيَةُ امْرَأَةٌ مَجْهُولَةٌ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهَا، قُلْنَا: بَلْ هِيَ امْرَأَةٌ مَعْرُوفَةٌ جَلِيلَةُ الْقَدْرِ، ذَكَرَهَا ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ، فَقَالَ: الْعَالِيَةُ بِنْتُ أَيْفَعَ بْنِ شَرَاحِيلَ امْرَأَةُ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ سَمِعَتْ مِنْ عَائِشَةَ، انْتَهَى كَلَامُهُ.أَحَادِيثُ الْبَابِ:وَفِي تَحْرِيمِ الْعِينَةِ أَحَادِيثُ، وَالْعِينَةُ بَيْعُ سِلْعَةٍ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، ثُمَّ يَعُودُ فَيَشْتَرِيهَا بِأَنْقَصَ مِنْهُ حَالًّا: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إلَى دِينِكُمْ»، انْتَهَى.وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ قَالَ الْبَزَّارُ: وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا هُوَ عِنْدِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، وَهُوَ لَيِّنُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَهَذَا وَهْمٌ مِنْ الْبَزَّارِ، إنَّمَا اسْمُ هَذَا الرَّجُلِ إِسْحَاقُ بْنُ أَسَدٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُرَاسَانِيُّ، يَرْوِي عَنْ عَطَاءٍ، رَوَى عَنْهُ حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، وَهُوَ يَرْوِي عَنْهُ هَذَا الْخَبَرَ، وَبِهَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَلَيْسَ هَذَا بِإِسْحَاقَ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، ذَاكَ مَدِينِيٌّ، وَيُكَنَّى أَبَا سُلَيْمَانَ، وَهَذَا خُرَاسَانِيٌّ، وَيُكَنَّى أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَيَّهُمَا كَانَ فَالْحَدِيثُ مِنْ أَجْلِهِ لَا يَصِحُّ، وَلَكِنْ لِلْحَدِيثِ طَرِيقٌ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا، رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «أَتَى عَلَيْنَا زَمَانٌ، وَمَا يَرَى أَحَدُنَا أَنَّهُ أَحَقُّ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، ثُمَّ أَصْبَحَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ أَحَبُّ إلَى أَحَدِنَا مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إذَا ضَنَّ النَّاسُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، وَتَبَايَعُوا بِالْعِينَةِ، وَاتَّبَعُوا أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَتَرَكُوا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِمْ ذُلًّا، فَلَمْ يَرْفَعْهُ عَنْهُمْ حَتَّى يُرَاجِعُوا دِينَهُمْ» انْتَهَى.قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثِقَاتٌ. انْتَهَى.حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ أَبِي جُنَابٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ.قَالَ: (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ بَاعَهَا وَأُخْرَى مَعَهَا مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ بِخَمْسِمِائَةٍ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ فِي الَّتِي لَمْ يَشْتَرِهَا مِنْ الْبَائِعِ وَيَبْطُلُ فِي الْأُخْرَى) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَةِ الَّتِي لَمْ يَشْتَرِهَا مِنْهُ فَيَكُونَ مُشْتَرِيًا لِلْأُخْرَى بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ وَهُوَ فَاسِدٌ عِنْدَنَا وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَعْنَى فِي صَاحِبَتِهَا وَلَا يَشِيعُ الْفَسَادُ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ فِيهَا لِكَوْنِهِ مُجْتَهِدًا فِيهِ أَوْ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ الرِّبَا أَوْ لِأَنَّهُ طَارِئٌ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ بِانْقِسَامِ الثَّمَنِ أَوْ الْمُقَاصَّةِ فَلَا يَسْرِي إلَى غَيْرِهَا.قَالَ: (وَمَنْ اشْتَرَى زَيْتًا عَلَى أَنْ يَزِنَهُ بِظَرْفِهِ فَيَطْرَحَ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ ظَرْفٍ خَمْسِينَ رِطْلًا فَهُوَ فَاسِدٌ وَإِنْ اشْتَرَى عَلَى أَنْ يَطْرَحَ عَنْهُ بِوَزْنِ الظَّرْفِ جَازَ) لِأَنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَالثَّانِي يَقْتَضِيهِ.قَالَ: (وَمَنْ اشْتَرَى سَمْنًا فِي زِقٍّ فَرَدَّ الظَّرْفَ وَهُوَ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ فَقَالَ الْبَائِعُ: الزِّقُّ غَيْرُ هَذَا وَهُوَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي) لِأَنَّهُ إنْ اُعْتُبِرَ اخْتِلَافًا فِي تَعْيِينِ الزِّقِّ الْمَقْبُوضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ ضَمِينًا كَانَ أَوْ أَمِينًا، وَإِنْ اُعْتُبِرَ اخْتِلَافًا فِي السَّمْنِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ اخْتِلَافٌ فِي الثَّمَنِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ.قَالَ: (وَإِذَا أَمَرَ الْمُسْلِمُ نَصْرَانِيًّا بِبَيْعِ خَمْرٍ أَوْ بِشِرَائِهَا فَفَعَلَ ذَلِكَ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يَجُوزُ عَلَى الْمُسْلِمِ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْخِنْزِيرُ وَعَلَى هَذَا تَوْكِيلُ الْمُحْرِمِ غَيْرَهُ بِبَيْعِ صَيْدِهِ.لَهُمَا أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَلِيهِ فَلَا يُوَلِّيهِ غَيْرَهُ، وَلِأَنَّ مَا يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ.وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَاقِدَ هُوَ الْكَفِيلُ بِأَهْلِيَّتِهِ وَوِلَايَتِهِ وَانْتِقَالُ الْمِلْكِ إلَى الْآمِرِ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ فَلَا يَمْتَنِعُ بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ كَمَا إذَا وَرِثَهُمَا، ثُمَّ إنْ كَانَ خَمْرًا يُخَلِّلُهَا وَإِنْ كَانَ قَالَ: (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ يُدَبِّرَهُ أَوْ يُكَاتِبَهُ أَوْ أَمَةً عَلَى أَنْ يَسْتَوْلِدَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ وَشَرْطٌ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ ثُمَّ جُمْلَةُ الْمَذْهَبِ فِيهِ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ شَرْطٍ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ كَشَرْطِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ لِثُبُوتِهِ بِدُونِ الشَّرْطِ، وَكُلُّ شَرْطٍ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ يُفْسِدُهُ كَشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ الْمَبِيعَ، لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً عَارِيَّةً عَنْ الْعِوَضِ فَيُؤَدِّي إلَى الرِّبَا أَوْ لِأَنَّهُ يَقَعُ بِسَبَبِهِ الْمُنَازَعَةُ فَيَعْرَى الْعَقْدُ عَنْ مَقْصُودِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَارَفًا لِأَنَّ الْعُرْفَ قَاضٍ عَلَى الْقِيَاسِ، وَلَوْ كَانَ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِأَحَدٍ لَا يُفْسِدُهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ كَشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَ الْمُشْتَرِي الدَّابَّةَ الْمَبِيعَةَ لِأَنَّهُ انْعَدَمَتْ الْمُطَالَبَةُ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا وَلَا إلَى الْمُنَازَعَةِ.إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: إنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ لِأَنَّ قَضِيَّتَهُ الْإِطْلَاقُ فِي التَّصَرُّفِ وَالتَّخْيِيرِ لَا الْإِلْزَامُ حَتْمًا وَالشَّرْطُ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنْ كَانَ يُخَالِفُنَا فِي الْعِتْقِ وَيَقِيسُهُ عَلَى بَيْعِ الْعَبْدِ نَسَمَةً فَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَتَفْسِيرُ الْمَبِيعِ نَسَمَةً أَنْ يُبَاعَ مِمَّنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَعْتِقُهُ لَا أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهِ، فَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَمَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ صَحَّ الْبَيْعُ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ.وَقَالَا: يَبْقَى فَاسِدًا حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ، لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ وَقَعَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا كَمَا إذَا تَلِفَ بِوَجْهٍ آخَرَ.وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ لَا يُلَائِمُ الْعَقْدَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَكِنْ مِنْ حَيْثُ حُكْمِهِ يُلَائِمُهُ لِأَنَّهُ مِنْهُ لِلْمِلْكِ وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ، وَلِهَذَا لَا يَمْنَعُ الْعِتْقُ الرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فَإِذَا تَلِفَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُلَاءَمَةُ فَيَتَقَرَّرُ الْفَسَادُ، وَإِذَا وُجِدَ الْعِتْقُ تَحَقَّقَتْ الْمُلَاءَمَةُ فَيُرَجَّحُ جَانِبُ الْجَوَازِ فَكَانَ الْحَالُ قَبْلَ ذَلِكَ مَوْقُوفًا.الشرح:الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ: رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ».قُلْت: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَيُّوبَ الْمُقْرِي ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الذُّهْلِيُّ ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: قَدِمْت مَكَّةَ فَوَجَدْت بِهَا أَبِي حَنِيفَةَ، وَابْنَ أَبِي لَيْلَى، وَابْنَ شُبْرُمَةَ، فَسَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ رَجُلٍ بَاعَ بَيْعًا، وَشَرَطَ شَرْطًا، فَقَالَ: الْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، ثُمَّ أَتَيْت ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَسَأَلْته، فَقَالَ: الْبَيْعُ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، ثُمَّ أَتَيْت ابْنَ شُبْرُمَةَ، فَسَأَلْته فَقَالَ: الْبَيْعُ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ جَائِزٌ، فَقُلْت: يَا سُبْحَانَ اللَّهِ ثَلَاثَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِ اخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ؟ فَأَتَيْت أَبَا حَنِيفَةَ فَأَخْبَرْته، فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا قَالَا، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ»، الْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، ثُمَّ أَتَيْت ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَأَخْبَرْته، فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا قَالَا، حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «أَمَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ فَأُعْتِقَهَا، الْبَيْعُ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ»، ثُمَّ أَتَيْت ابْنَ شُبْرُمَةَ فَأَخْبَرْته، فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا قَالَا، حَدَّثَنِي مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ: عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «بِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَةً، وَشَرَطَ لِي حُمْلَانَهَا إلَى الْمَدِينَةِ الْبَيْعُ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ جَائِزٌ»، انْتَهَى.وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ فِي كِتَابِ عُلُومِ الْحَدِيثِ فِي بَابِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَعَارِضَةِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ زَاذَانَ الضَّرِيرُ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الذُّهْلِيُّ بِهِ، وَمِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَعِلَّتُهُ ضَعْفُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْحَدِيثِ، انْتَهَى.وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ بِحَدِيثِ بَرِيرَةَ عَنْ عَائِشَةَ، اشْتَرَتْهَا بِشَرْطِ الْعِتْقِ، فَأَجَازَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، وَصَحَّحَ الْبَيْعَ وَالشَّرْطَ، وَإِنَّمَا بَيَّنَ فِيهِ بُطْلَانَ شَرْطِ الْوَلَاءِ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ، وَلَمْ يَذْكُرْ بُطْلَانَ شَرْطِ الْعِتْقِ، وَأَقَرَّهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ عَلَيْهِ.قَالَ: (وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ الْبَائِعُ شَهْرًا أَوْ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا أَوْ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ الْمُشْتَرِي دِرْهَمًا أَوْ عَلَى أَنْ يُهْدِيَ لَهُ هَدِيَّةً) لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى يُقَابِلُهُمَا شَيْءٌ مِنْ ثَمَنٍ يَكُونُ إجَارَةً فِي بَيْعٍ، وَلَوْ كَانَ لَا يُقَابِلُهُمَا يَكُونُ إعَارَةً فِي بَيْعٍ، وَقَدْ: «نَهَى النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ».قَالَ: (وَمَنْ بَاعَ عَيْنًا عَلَى أَنْ لَا يُسَلِّمَهُ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الْمَبِيعِ الْعَيْنِ بَاطِلٌ فَيَكُونُ شَرْطًا فَاسِدًا، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَجَلَ شُرِعَ تَرْفِيهًا فَيَلِيقُ بِالدُّيُونِ دُونَ الْأَعْيَانِ.قَالَ: (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً إلَّا حَمْلَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا لَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْعَقْدِ وَالْحَمْلُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَطْرَافِ الْحَيَوَانِ لِاتِّصَالِهِ بِهِ خِلْقَةً وَبَيْعُ الْأَصْلِ يَتَنَاوَلُهُمَا، فَالِاسْتِثْنَاءُ يَكُونُ عَلَى خِلَافِ الْمُوجِبِ فَلَا يَصِحُّ فَيَصِيرُ شَرْطًا فَاسِدًا وَالْبَيْعُ يَبْطُلُ بِهِ.وَالْكِتَابَةُ وَالْإِجَارَةُ وَالرَّهْنُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ غَيْرَ أَنَّ الْمُفْسِدَ فِي الْكِتَابَةِ مَا يَتَمَكَّنُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ مِنْهَا وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالنِّكَاحُ وَالْخُلْعُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ لَا تَبْطُلُ بِاسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ بَلْ يَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ، لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَكَذَا الْوَصِيَّةُ لَا تَبْطُلُ بِهِ لَكِنْ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ حَتَّى يَكُونَ الْحَمْلُ مِيرَاثًا وَالْجَارِيَةُ وَصِيَّةً، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَالْمِيرَاثُ يَجْرِي فِيمَا فِي الْبَطْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَثْنَى خِدْمَتَهَا لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَا يَجْرِي فِيهَا، قَالَ: (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَقْطَعَهُ الْبَائِعُ وَيَخِيطَهُ قَمِيصًا أَوْ قَبَاءً فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ صَفْقَةً فِي صَفْقَةٍ عَلَى مَا مَرَّ، قَالَ: (وَمَنْ اشْتَرَى نَعْلًا عَلَى أَنْ يَحْذُوَهُ الْبَائِعُ أَوْ يُشْرِكَهُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ)، قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ مَا ذَكَرَهُ جَوَابُ الْقِيَاسِ وَوَجْهُهُ مَا بَيَّنَّا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ لِلتَّعَامُلِ فِيهِ فَصَارَ كَصَبْغِ الثَّوْبِ وَلِلتَّعَامُلِ جَوَّزْنَا الِاسْتِصْنَاعَ.الشرح:الْحَدِيثُ الثَّانِيَ عَشَرَ: رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ».قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَمِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ.فَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلَا رِبْحٍ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك»، انْتَهَى.قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَاخْتَصَرَهُ ابْنُ مَاجَهْ، فَذَكَرَ مِنْهُ رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَبَيْعَ مَا لَيْسَ عِنْدَك فَقَطْ.وَلَمْ يُنْصِفْ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ إذْ عَزَا الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ لِابْنِ مَاجَهْ، مَعَ أَنَّ أَصْحَابَ الْأَطْرَافِ بَيَّنُوهُ.قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ التِّرْمِذِيُّ إنَّمَا صَحَّحَهُ لِتَصْرِيحِهِ فِيهِ بِذِكْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَيَكُونُ مَذْهَبُهُ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ إنَّمَا هُوَ الشَّكُّ فِي إسْنَادِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَإِذَا صَرَّحَ بِذِكْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو انْتَفَى ذَلِكَ، انْتَهَى.وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ: هَذِهِ رِوَايَةٌ مُسْتَغْرَبَةٌ جِدًّا عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّ عِنْدَهُمْ أَنَّ شُعَيْبًا إنَّمَا يَرْوِي عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو لَا عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّ أَبَاهُ مُحَمَّدًا مَاتَ قَبْلَ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ، انْتَهَى.وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: إنَّمَا رُدَّتْ أَحَادِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، لِأَنَّ الْهَاءَ مِنْ جَدِّهِ يَحْتَمِلُ أَنْ تَعُودَ عَلَى عَمْرٍو، فَيَكُونُ الْجَدُّ مُحَمَّدًا، فَيَكُونُ الْخَبَرُ مُرْسَلًا، أَوْ تَعُودُ عَلَى شُعَيْبٍ، فَيَكُونُ الْجَدُّ عَبْدَ اللَّهِ، فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مُسْنَدًا مُتَّصِلًا، لِأَنَّ شُعَيْبًا سَمِعَ مِنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُفَسِّرَ الْجَدَّ بِأَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو إلَّا بِحُجَّةٍ، وَقَدْ يُوجَدُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَيَرْتَفِعُ النِّزَاعُ، وَقَدْ يُوجَدُ بِتَكْرَارٍ عَنْ أَبِيهِ، فَيَرْتَفِعُ النِّزَاعُ أَيْضًا، وَمِنْ الْأَحَادِيثِ مَا يَكُونُ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ غَيْرِ أَبِيهِ، وَهِيَ أَيْضًا صَحِيحَةٌ، كَحَدِيثِ الْبَلَاطِ. انْتَهَى.وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَكَذَا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، وَدَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرُهُمْ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَقَدْ رَوَاهُ عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِزِيَادَاتِ أَلْفَاظٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ.طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: «أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَسْمَعُ مِنْك أَحَادِيثَ، أَفَتَأْذَنُ لَنَا أَنْ نَكْتُبَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَكَانَ أَوَّلُ مَا كَتَبَ كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَهْلِ مَكَّةَ: لَا يَجُوزُ شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ وَاحِدٍ، وَلَا بَيْعٌ وَسَلَفٌ جَمِيعًا، وَلَا بَيْعُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَمَنْ كَانَ مُكَاتَبًا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَضَاهَا إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، فَهُوَ عَبْدٌ، أَوْ عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ فَقَضَاهَا إلَّا أُوقِيَّةً، فَهُوَ عَبْدٌ»، انْتَهَى.قَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا خَطَأٌ، وَعَطَاءٌ هَذَا هُوَ الْخُرَاسَانِيُّ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَ لَهُ سَمَاعًا مِنْهُ، انْتَهَى.وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ، وَفَسَّرَهُ، فَقَالَ: أَمَّا السَّلَفُ وَالْبَيْعُ، فَالرَّجُلُ يَقُولُ لِلرَّجُلِ: أَبِيعُك عَبْدِي هَذَا بِكَذَا وَكَذَا عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي كَذَا وَكَذَا، وَأَمَّا الشَّرْطَانِ فِي الْبَيْعِ، فَالرَّجُلُ يَبِيعُ الشَّيْءَ حَالًّا بِأَلْفٍ، وَمُؤَجَّلًا بِأَلْفَيْنِ، وَأَمَّا الرِّبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، فَالرَّجُلُ يَشْتَرِي الشَّيْءَ فَيَبِيعُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ بِرِبْحٍ، انْتَهَى.وَأَمَّا حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا أَسْلَمُ بْنُ سَهْلٍ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَلَّامٍ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالَ: «نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ فِي الْبَيْعِ: عَنْ سَلَفٍ وَبَيْعٍ، وَشَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ، وَبَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك، وَرِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ»، انْتَهَى.وَالْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّإِ بَلَاغٌ، قَالَ أَبُو مَصْعَبٍ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ»، انْتَهَى.الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ».قُلْت: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا حَسَنٌ، وَأَبُو النَّضْرِ، وَأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، قَالُوا: ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ»، قَالَ أَسْوَدُ: قَالَ شَرِيكٌ: قَالَ سِمَاكٌ: هُوَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ بَيْعًا فَيَقُولَ: هُوَ نَقْدًا بِكَذَا، وَنَسِيئَةً بِكَذَا، انْتَهَى.وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَسْوَدَ بْنِ عَامِرٍ بِهِ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ الطَّائِيُّ ثَنَا ابْنُ السِّمَاكِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا: «لَا تَحِلُّ صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ»، انْتَهَى.وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي ضُعَفَائِهِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي صَفْوَانَ الثَّقَفِيِّ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سِمَاكٍ بِهِ مَرْفُوعًا: «الصَّفْقَةُ فِي الصَّفْقَتَيْنِ رِبًا»، انْتَهَى.وَأَعَلَّهُ بِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ هَذَا، وَقَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَى رَفْعِهِ، وَالْمَوْقُوفُ أَوْلَى، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نُعَيْمٍ ثَنَا سُفْيَانُ بِهِ مَوْقُوفًا، وَهَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نُعَيْمٍ بِهِ مَوْقُوفًا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ بِهِ مَوْقُوفًا، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمَعْنَى صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: أَبِيعُك هَذَا نَقْدًا بِكَذَا، وَنَسِيئَةً بِكَذَا، وَيَفْتَرِقَانِ عَلَيْهِ، انْتَهَى.وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحُهُ فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ سِمَاكٍ بِهِ مَوْقُوفًا: «الصَّفْقَةُ فِي الصَّفْقَتَيْنِ رِبًا»، وَأَعَادَهُ فِي النَّوْعِ التَّاسِعِ وَالْمِائَةِ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي كَذَلِكَ، بِلَفْظِ: «لَا تَحِلُّ صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ»، انْتَهَى.حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ»، انْتَهَى.قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَ: وَفَسَّرَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: أَبِيعُك هَذَا الثَّوْبَ نَقْدًا بِعَشَرَةٍ، وَنَسِيئَةً بِعِشْرِينَ، وَلَا يُفَارِقُهُ عَلَى أَحَدِ الْبَيْعَيْنِ، فَإِذَا فَارَقَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَا بَأْسَ إذَا كَانَتْ الْعُقْدَةُ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ: أَبِيعُك دَارِي هَذِهِ بِكَذَا، عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي غُلَامَك بِكَذَا، فَإِذَا وَجَبَ لِي غُلَامُك وَجَبَتْ لَك دَارِي، انْتَهَى.وَالْمُصَنِّفُ فَسَّرَهُ بِأَنْ يَقُولَ: أَبِيعُك عَبْدِي هَذَا عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي شَهْرًا، أَوْ دَارِي هَذِهِ عَلَى أَنْ أَسْكُنَهَا شَهْرًا، قَالَ: فَإِنَّ الْخِدْمَةَ وَالسُّكْنَى إنْ كَانَ يُقَابِلُهُمَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ يَكُونُ إجَارَةً فِي بَيْعٍ، وَإِلَّا فَهُوَ إعَارَةٌ فِي بَيْعٍ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَفْقَتَيْنِ، الْحَدِيثَ.وَالْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّإِ بَلَاغٌ، قَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ» انْتَهَى.قَالَ: (وَالْبَيْعُ عَلَى النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ وَصَوْمِ النَّصَارَى وَفِطْرِ الْيَهُودِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْمُتَبَايِعَانِ ذَلِكَ فَاسِدٌ) لِجَهَالَةِ الْأَجَلِ، وَهِيَ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ فِي الْبَيْعِ لِابْتِنَائِهَا عَلَى الْمُمَاكَسَةِ إلَّا إذَا كَانَا يَعْرِفَانِهِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا عِنْدَهُمَا أَوْ كَانَ التَّأْجِيلُ إلَى فِطْرِ النَّصَارَى بَعْدَمَا شَرَعُوا فِي صَوْمِهِمْ لِأَنَّ مُدَّةَ صَوْمِهِمْ مَعْلُومَةٌ بِالْأَيَّامِ فَلَا جَهَالَةَ فِيهِ.قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَى قُدُومِ الْحَاجِّ) وَكَذَلِكَ إلَى الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَالْقِطَافِ وَالْجُذَاذِ لِأَنَّهَا تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ، وَلَوْ كَفَلَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَازَ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ مُتَحَمَّلَةٌ فِي الْكَفَالَةِ وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ يَسِيرَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِيهَا وَلِأَنَّهُ مَعْلُومُ الْأَصْلِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ فِي أَصْلِ الدَّيْنِ بِأَنْ تَكَفَّلَ بِمَا ذَابَ عَلَى فُلَانٍ فَفِي الْوَصْفِ أَوْلَى، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهَا فِي أَصْلِ الثَّمَنِ فَكَذَا فِي وَصْفِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مُطْلَقًا ثُمَّ أَجَّلَ الثَّمَنَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ حَيْثُ جَازَ لِأَنَّ هَذَا تَأْجِيلٌ فِي الدَّيْنِ، وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ فِيهِ مُحْتَمَلَةٌ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ وَلَا كَذَلِكَ اشْتِرَاطُهُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ (وَلَوْ بَاعَ إلَى هَذِهِ الْآجَالِ ثُمَّ تَرَاضَيَا بِإِسْقَاطِ الْأَجَلِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ النَّاسُ فِي الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَقَبْلَ قُدُومِ الْحَاجِّ جَازَ الْبَيْعُ أَيْضًا، وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ وَقَعَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَصَارَ كَإِسْقَاطِ الْأَجَلِ فِي النِّكَاحِ إلَى أَجَلٍ) وَلَنَا أَنَّ الْفَسَادَ لِلْمُنَازَعَةِ، وَقَدْ ارْتَفَعَ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ، وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ فِي شَرْطٍ زَائِدٍ لَا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ فَيُمْكِنُ إسْقَاطُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ ثُمَّ أَسْقَطَا الدِّرْهَمَ الزَّائِدَ، لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَبِخِلَافِ النِّكَاحِ إلَى أَجَلٍ لِأَنَّهُ مُتْعَةٌ وَهُوَ عَقْدٌ غَيْرُ عَقْدِ النِّكَاحِ وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ ثُمَّ تَرَاضَيَا خَرَجَ وِفَاقًا، لِأَنَّ مَنْ لَهُ الْأَجَلُ يَسْتَبِدُّ بِإِسْقَاطِهِ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ.قَالَ: (وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ أَوْ شَاةٍ ذَكِيَّةٍ وَمَيْتَةٍ بَطَلَ الْبَيْعُ فِيهِمَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا جَازَ فِي الْعَبْدِ وَالشَّاةِ الذَّكِيَّةِ (وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ أَوْ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْعَبْدِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ) عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ.وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَسَدَ فِيهِمَا وَمَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا كَالْمَيْتَةِ وَالْمُكَاتَبُ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْمُدَبَّرِ، وَلَهُ الِاعْتِبَارُ بِالْفَصْلِ الْأَوَّلِ إذْ مَحَلِّيَّةُ الْبَيْعِ مُنْتَفِيَةٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْكُلِّ، وَلَهُمَا أَنَّ الْفَسَادَ بِقَدْرِ الْمُفْسِدِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْقِنِّ كَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَأُخْتِهِ فِي النِّكَاحِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُسَمِّ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ.وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ أَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ أَصْلًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَالْبَيْعُ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ، فَكَانَ الْقَبُولُ فِي الْحُرِّ شَرْطًا لِلْبَيْعِ فِي الْعَبْدِ وَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ بِخِلَافِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ.وَأَمَّا الْبَيْعُ فِي هَؤُلَاءِ فَمَوْقُوفٌ وَقَدْ دَخَلُوا تَحْتَ الْعَقْدِ لِقِيَامِ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا يَنْفُذُ فِي عَبْدِ الْغَيْرِ بِإِجَارَتِهِ، وَفِي الْمُكَاتَبِ بِرِضَاهُ فِي الْأَصَحِّ، وَفِي الْمُدَبَّرِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَكَذَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إلَّا أَنَّ الْمَالِكَ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْمَبِيعَ وَهَؤُلَاءِ بِاسْتِحْقَاقِهِمْ أَنْفُسَهُمْ رَدُّوا الْبَيْعَ، فَكَانَ هَذَا إشَارَةً إلَى الْبَقَاءِ كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ وَهَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَهَذَا لَا يَكُونُ شَرْطَ الْقَبُولِ فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ وَلَا بَيْعًا بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ فِيهِ.
|