الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)
.فصلٌ فِي الْقِرَاءَةِ: (الْقِرَاءَةُ فِي الْفَرْضِ وَاجِبَةٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ).وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِي الرَّكَعَاتِ كُلِّهَا، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ» وَكُلُّ رَكْعَةٍ صَلَاةٌ، وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ إقَامَةً لِلْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ تَيْسِيرًا، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى «فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ» وَالْأَمْرُ بِالْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا فِي الثَّانِيَةِ اسْتِدْلَالًا بِالْأُولَى، لِأَنَّهُمَا يَتَشَاكَلَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَأَمَّا الْأُخْرَيَانِ فَيُفَارِقَانِهِمَا فِي حَقِّ السُّقُوطِ بِالسَّفَرِ، وَصِفَةِ الْقِرَاءَةِ وَقَدْرِهَا، فَلَا يَلْحَقَانِ بِهِمَا، وَالصَّلَاةُ فِيمَا رُوِيَ مَذْكُورَةٌ صَرِيحًا فَتَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلَةِ وَهِيَ الرَّكْعَتَانِ عُرْفًا، كَمَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً، بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُصَلِّي.(وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ) مَعْنَاهُ إنْ شَاءَ سَكَتَ، وَإِنْ شَاءَ قَرَأَ، وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ، كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، إلَّا أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقْرَأَ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ دَاوَمَ عَلَى ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَا يَجِبُ السَّهْوُ بِتَرْكِهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.الشرح:الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ».قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ»، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمَا أَعْلَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَنَّاهُ، وَمَا أَخْفَاهُ أَخْفَيْنَاهُ لَكُمْ، انْتَهَى.وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهِ لِلشَّافِعِيِّ عَلَى وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِوُجُوبِهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، وَلَيْسَ الْحَدِيثُ بِصَرِيحٍ فِيهِ، وَأَصْرَحُ مِنْهُ حَدِيثُ: الْمُسِيءُ صَلَاتَهُ، أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِيهِ: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ لَهُ: «إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ، فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ»، وَفِي آخِرِهِ: «ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِك كُلِّهَا».وَحَدِيثُ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ أَيْضًا، كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَفِيهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لَهُ: «إذَا اسْتَقْبَلْت الصَّلَاةَ، فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا شِئْت»، وَفِي آخِرِهِ: «ثُمَّ اصْنَعْ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَسَجْدَةٍ».وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِتَمَامِهِ فِي حَدِيثِ: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَسُورَةٍ مَعَهَا»، وَهُوَ فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، لَيْسَ فِيهِ: «ثُمَّ اصْنَعْ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ»، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.قَوْلُهُ: وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ إنْ شَاءَ قَرَأَ، وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ، وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ، هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ.قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَا: اقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَسَبِّحْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ، وَهُوَ عَنْ عَائِشَةَ غَرِيبٌ.الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ بَعْدَالْمِائَةِ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ دَاوَمَ عَلَى ذَلِكَ» يَعْنِي الْقِرَاءَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ.قُلْت: يَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَيُطِيلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطِيلُ فِي الثَّانِيَةِ، وَكَذَلِكَ فِي الْعَصْرِ، وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ» انْتَهَى.(وَالْقِرَاءَةُ وَاجِبَةٌ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ، وَفِي جَمِيعِ الْوِتْرِ) أَمَّا النَّفَلُ فَلِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْهُ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ، وَالْقِيَامُ إلَى الثَّالِثَةِ كَتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ، وَلِهَذَا لَا يَجِبُ بِالتَّحْرِيمَةِ الْأُولَى إلَّا رَكْعَتَانِ فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَصْحَابِنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَلِهَذَا قَالُوا: يَسْتَفْتِحُ فِي الثَّالِثَةِ (أَيْ يَقُولُ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ) وَأَمَّا الْوِتْرُ فَلِلِاحْتِيَاطِ.قَالَ: (وَمَنْ شَرَعَ فِي نَافِلَةٍ ثُمَّ أَفْسَدَهَا قَضَاهَا).وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِيهِ، وَلَا لُزُومَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ، وَلَنَا أَنَّ الْمُؤَدَّى وَقَعَ قُرْبَةً فَيَلْزَمُ الْإِتْمَامُ ضَرُورَةَ صِيَانَتِهِ عَنْ الْبُطْلَانِ (وَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا وَقَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ وَقَعَدَ ثُمَّ أَفْسَدَ الْأُخْرَيَيْنِ قَضَى رَكْعَتَيْنِ) لِأَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ قَدْ تَمَّ، وَالْقِيَامُ إلَى الثَّالِثَةِ بِمَنْزِلَةِ تَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ، فَيَكُونُ مُلْزَمًا، هَذَا إذَا أَفْسَدَ الْأُخْرَيَيْنِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِمَا، وَلَوْ أَفْسَدَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي لَا يَقْضِي الْأُخْرَيَيْنِ.وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ يَقْضِي اعْتِبَارًا لِلشُّرُوعِ بِالنَّذْرِ وَلَهُمَا أَنَّ الشُّرُوعَ يَلْزَمُ مَا شَرَعَ فِيهِ، وَمَا لَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِهِ، وَصِحَّةُ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ لَا تَتَعَلَّقُ بِالثَّانِي، بِخِلَافِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَعَلَى هَذَا سُنَّةُ الظُّهْرِ لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ، وَقِيلَ: يَقْضِي أَرْبَعًا احْتِيَاطًا، لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ.(وَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا وَلَمْ يَقْرَأْ فِيهِنَّ شَيْئًا أَعَادَ رَكْعَتَيْنِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقْضِي أَرْبَعًا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ.وَالْأَصْلُ فِيهَا أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ تَرْكَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ أَوْ فِي إحْدَاهُمَا يُوجِبُ بُطْلَانَ التَّحْرِيمِ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِلْأَفْعَالِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ التَّحْرِيمِ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ فَسَادَ الْأَدَاءِ، لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ زَائِدٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ لِلصَّلَاةِ وُجُودًا بِدُونِهَا؟ غَيْرَ أَنَّهُ لَا صِحَّةَ لِلْأَدَاءِ إلَّا بِهَا، وَفَسَادُ الْأَدَاءِ لَا يَزِيدُ عَلَى تَرْكِهِ فَلَا يُبْطِلُ التَّحْرِيمَةَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ يُوجِبُ بُطْلَانَ التَّحْرِيمَةِ، وَفِي إحْدَاهُمَا لَا يُوجِبُ، لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْ التَّطَوُّعِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ، وَفَسَادُهَا بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، فَقَضَيْنَا بِالْفَسَادِ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْقَضَاءِ، وَحَكَمْنَا بِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ فِي حَقِّ لُزُومِ الشَّفْعِ الثَّانِي احْتِيَاطًا.إذَا ثَبَتَ هَذَا نَقُولُ: إذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي الْكُلِّ قَضَى رَكْعَتَيْنِ عِنْدَهُمَا، لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ قَدْ بَطَلَتْ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ عِنْدَهُمَا، فَلَمْ يَصِحَّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي.وَبَقِيَتْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَصَحَّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي، ثُمَّ إذَا فَسَدَ الْكُلُّ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ عِنْدَهُ (وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرُ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُخْرَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ).لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ لَمْ تَبْطُلْ، فَصَحَّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي، ثُمَّ فَسَادُهُ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ (وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لَا غَيْرُ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُولَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ) لِأَنَّ عِنْدَهُمَا لَمْ يَصِحَّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ صَحَّ فَقَدْ أَدَّاهَا (وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُخْرَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُولَيَيْنِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُولَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ: عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ) لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ بَاقِيَةٌ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُولَيَيْنِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ قَدْ ارْتَفَعَتْ عِنْدَهُ.وَقَدْ أَنْكَرَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْهُ، وَقَالَ: رَوَيْت لَك عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ، وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ رِوَايَتِهِ عَنْهُ.(وَلَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرُ قَضَى أَرْبَعًا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَضَى رَكْعَتَيْنِ، وَلَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ لَا غَيْرُ قَضَى أَرْبَعًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا رَكْعَتَيْنِ) قَالَ (وَتَفْسِيرُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا يُصَلَّى بَعْدَ صَلَاةٍ مِثْلُهَا») يَعْنِي رَكْعَتَيْنِ بِقِرَاءَةٍ وَرَكْعَتَيْنِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ، فَيَكُونُ بَيَانُ فَرْضِيَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكَعَاتِ النَّفْلِ كُلِّهَا.الشرح:الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا يُصَلَّى بَعْدَ صَلَاةٍ مِثْلُهَا».قُلْت: غَرِيبٌ مَرْفُوعًا، وَوَقَفَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَا يُصَلَّى بَعْدَ صَلَاةٍ، مِثْلُهَا. انْتَهَى.حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَالشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا يُصَلَّى عَلَى إثْرِ صَلَاةٍ مِثْلُهَا، انْتَهَى.أَحَادِيثُ الْبَابِ:أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: «أَتَيْت ابْنَ عُمَرَ عَلَى الْبَلَاطِ، وَهُمْ يُصَلُّونَ.قُلْت: أَلَا تُصَلِّي مَعَهُمْ؟ قَالَ: قَدْ صَلَّيْت، إنِّي قَدْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ».انْتَهَى.وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّابِعِ وَالسَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي، وَلَفْظُهُ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا أَنْ نُعِيدَ صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ».قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ فِي نَفْسِهِ ثِقَةٌ، يُحْتَجُّ بِخَبَرِهِ إذَا رَوَى عَنْ غَيْرِ أَبِيهِ، فَأَمَّا رِوَايَتُهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، فَلَا تَخْلُو مِنْ انْقِطَاعٍ وَإِرْسَالٍ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُحْتَجَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا، انْتَهَى.قِيلَ: وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، قَالَ: وَمَعْنَاهُ كَمَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا أَيْ لَا تَجِبُ الصَّلَاةُ فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعِدْهَا ابْنُ عُمَرَ، لِأَنَّهُ كَانَ صَلَّاهَا فِي جَمَاعَةٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ.قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: قَالَ مَالِكٌ: ثَنَا نَافِعٌ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: إنِّي أُصَلِّي فِي بَيْتِي، ثُمَّ أُدْرِكُ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ، أَفَأُصَلِّي مَعَهُ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَيَّتَهمَا أَجْعَلُ صَلَاتِي؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَيْسَ ذَلِكَ إلَيْك، إنَّمَا ذَلِكَ إلَى اللَّهِ، يَجْعَلُ أَيَّهمَا شَاءَ. انتهى.رَوَاهُ فِي الْمُوَطَّإِ، قَالَ: وَهَذَا مِنْ ابْنِ عُمَرَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي رَوَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا صَلَاةَ مَكْتُوبَةَ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، إنَّمَا أَرَادَ بِهِ كِلْتَاهُمَا عَلَى وَجْهِ الْفَرْضِ،أَوْ إذَا صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ، فَلَا يُعِيدُهَا أُخْرَى»، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي ثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ، فَقَامَ يُصَلِّي الظُّهْرَ، فَقَالَ: أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا، فَيُصَلِّي مَعَهُ»، قَالَ: وَرَوَيْنَا عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا فِي هَذَا الْخَبَرِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى مَعَهُ، وَقَدْ كَانَ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَيْنَا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُمَا فَعَلَا، وَكَانَا قَدْ صَلَّيَا بِالْجَمَاعَةِ.قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَدَعْوَى مَنْ ادَّعَى نَسْخَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ بَاطِلَةٌ، لَا يَشْهَدُ بِهَا لَهُ تَارِيخٌ، وَلَا سَبَبٌ، وَإِذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَخْبَارِ، فَهُوَ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.أَحَادِيثُ إعَادَةِ الْفَرِيضَةِ لِأَجْلِ الْجَمَاعَةِ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَيْفَ أَنْتَ، إذَا كَانَ عَلَيْك أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟ قُلْت: فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ، فَصَلِّ، فَإِنَّهَا لَك نَافِلَةٌ»، انْتَهَى.وَفِي لَفْظٍ: «يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاة»، لَمْ يَقُلْ: عَنْ وَقْتِهَا، وَفِي لَفْظٍ: «وَلَا تَقُلْ: إنِّي قَدْ صَلَّيْت، فَلَا أُصَلِّي»، وَفِي لَفْظٍ: «صَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ نَافِلَةً»، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «إنَّهُ سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ، يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ قَدْ فَعَلُوا ذَلِكَ، فَصَلُّوا الصَّلَاةَ لِمِيقَاتِهَا، وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ سُبْحَةً»، مُخْتَصَرٌ، مِنْ حَدِيثِ التَّطْبِيقِ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ: لَمْ يُخْرِجْ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْئًا، انْتَهَى.حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «شَهِدْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ، فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ إذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فِي أُخْرَى الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ، فَقَالَ: عَلَيَّ بِهِمَا، فَجِيءَ بِهِمَا تُرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا، قَالَ: مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟ قَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا كُنَّا صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا، قَالَ: فَلَا تَفْعَلَا، إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا، ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ، فَصَلِّيَا مَعَهُمْ، فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ»، انْتَهَى.قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ: «وَلْيَجْعَلْ الَّتِي صَلَّاهَا فِي بَيْتِهِ نَافِلَةً»، وَقَالَا: إنَّهَا رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ شَاذَّةٌ، مَرْدُودَةٌ، لِمُخَالَفَتِهَا الثِّقَاتِ.حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَعْنِ بْنِ عِيسَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ نُوحِ بْنِ صَعْصَعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ السُّوَائِيِّ، بِمَعْنَاهُ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: «إذَا جِئْت الصَّلَاةَ، فَوَجَدْت النَّاسَ، فَصَلِّ مَعَهُمْ، وَإِنْ كُنْت صَلَّيْت، تَكُنْ لَك نَافِلَةً، وَهَذِهِ مَكْتُوبَةً».قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، انْتَهَى.(وَيُصَلِّي النَّافِلَةَ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ» وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ خَيْرٌ مَوْضُوعٍ، وَرُبَّمَا يَشُقُّ عَلَيْهِ الْقِيَامُ فَيَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ كَيْ لَا يَنْقَطِعَ عَنْهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْقُعُودِ، وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَقْعُدَ كَمَا يَقْعُدُ فِي حَالَةِ التَّشَهُّدِ، لِأَنَّهُ عُهِدَ مَشْرُوعًا فِي الصَّلَاةِ.(وَإِنْ افْتَتَحَهَا قَائِمًا ثُمَّ قَعَدَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجْزِيهِ، وَهُوَ قِيَاسٌ، لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُعْتَبَرٌ بِالنَّذْرِ، لَهُ أَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ الْقِيَامَ فِيمَا بَقِيَ وَلَمَّا بَاشَرَ صَحَّتْ بِدُونِهِ، بِخِلَافِ النَّذْرِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ نَصًّا، حَتَّى لَوْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْقِيَامِ لَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.الشرح:الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ».قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا عَنْ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ، قَالَ: «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ الرَّجُلِ قَاعِدًا، فَقَالَ: مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا، فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا، فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ»، انْتَهَى.قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: هَذَا فِي صَلَاةِ النَّافِلَةِ، وَأَمَّا الْفَرْضُ، فَلَا يَجُوزُ الْقُعُودُ فِيهِ، مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ، بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ عَجَزَ لَمْ يَنْقُصْ ثَوَابُهُ، انْتَهَى.قُلْت: يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْجِهَادِ عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا»، انْتَهَى.ذَكَرَهُ فِي بَابِ مَا يُكْتَبُ لِلْمُسَافِرِ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي الْإِقَامَةِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلَاةِ، قَالَ: فَأَتَيْته، فَوَجَدْته جَالِسًا، فَوَضَعْت يَدِي عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ: مَا لَك يَا عَبْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: حُدِّثْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَّك قُلْتَ: صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَّلَاةِ، وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا، قَالَ: أَجَلْ وَلَكِنِّي لَسْت كَأَحَدٍ مِنْكُمْ»، انْتَهَى.قَالَ النَّوَوِيُّ: أَيْ ثَوَابِي فِي النَّفْلِ قَاعِدًا، كَثَوَابِي قَائِمًا، هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا، انْتَهَى.(وَمَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ تَنَفَّلَ عَلَى دَابَّتِهِ) (إلَى أَيِّ جِهَةٍ تَوَجَّهَتْ يُومِئُ إيمَاءً) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى خَيْبَرَ يُومِئُ إيمَاءً» وَلِأَنَّ النَّوَافِلَ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِوَقْتٍ، فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ النُّزُولَ وَالِاسْتِقْبَالَ تَنْقَطِعُ عَنْهُ الْقَافِلَةُ أَوْ يَنْقَطِعُ هُوَ عَنْ الْقَافِلَةِ، أَمَّا الْفَرَائِضُ فَمُخْتَصَّةٌ بِوَقْتٍ، وَالسُّنَنُ الرَّوَاتِبُ نَوَافِلُ.وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ يَنْزِلُ لِسُنَّةِ الْفَجْرِ، لِأَنَّهَا آكَدُ مِنْ سَائِرِهَا، وَالتَّقْيِيدُ بِخَارِجِ الْمِصْرِ يَنْفِي اشْتِرَاطَ السَّفَرِ وَالْجَوَازَ فِي الْمِصْرِ.وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْمِصْرِ أَيْضًا، وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ خَارِجَ الْمِصْرِ، وَالْحَاجَةُ إلَى الرُّكُوبِ فِيهِ أَغْلَبُ.(فَإِنْ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ رَاكِبًا ثُمَّ نَزَلَ يَبْنِي، وَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً نَازِلًا ثُمَّ رَكِبَ اسْتَقْبَلَ) لِأَنَّ إحْرَامَ الرَّاكِبِ انْعَقَدَ مُجَوِّزًا لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى النُّزُولِ فَإِذَا أَتَى بِهِمَا صَحَّ وَإِحْرَامُ النَّازِلِ انْعَقَدَ لِوُجُوبِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِ مَا لَزِمَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ.وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ إذَا نَزَلَ أَيْضًا، وَكَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا نَزَلَ بَعْدَمَا صَلَّى رَكْعَةً، وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ.الشرح:الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رَوَى ابْنُ عُمَرَ، قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ، وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى خَيْبَرَ، يُومِئُ إيمَاءً».قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ، وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى خَيْبَرَ»، انْتَهَى.قَالَ النَّسَائِيُّ: عَمْرُو بْنُ يَحْيَى لَا يُتَابَعُ عَلَى قَوْلِهِ: «عَلَى حِمَارٍ»، وَإِنَّمَا هُوَ «عَلَى رَاحِلَتِهِ»، انْتَهَى.قِيلَ: وَقَدْ غَلَّطَ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَغَيْرُهُ عَمْرَو بْنَ يَحْيَى فِي ذَلِكَ، وَالْمَعْرُوفُ «عَلَى رَاحِلَتِهِ»: «وَعَلَى الْبَعِيرِ»، انْتَهَى.وَقَوْلُهُ: «يُومِئُ إمَاءً»، لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ، وَشَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ ذَكَرَ فِيهِ: «يُومِئُ بِرَأْسِهِ»، وَعَزَاهُ لِلصَّحِيحَيْنِ، وَلَمْ أَجِدْ لَفْظَ الْإِيمَاءِ إلَّا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، مَعَ أَنَّ الشَّيْخَ فِي الْإِمَامِ عَزَاهُ لِلصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ، حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ، يُومِئُ بِرَأْسِهِ»، فَلْيُنْظَرْ، وَذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَقَالَ: أَخْرَجَاهُ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ، انْتَهَى.وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ تَفَرَّدَ الْبُخَارِيُّ بِذِكْرِ الْإِيمَاءِ فِيهِ، لَكِنْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: «رَأَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، أَيْنَمَا تَوَجَّهَتْ يُومِئُ، وَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ»، انْتَهَى.وَأَخْرَجَ هُوَ وَمُسْلِمٌ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الرَّاحِلَةِ يُسَبِّحُ، يُومِئُ بِرَأْسِهِ، قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ، وَلَمْ يَكُنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي الْمَكْتُوبَةِ»، انْتَهَى.قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ فِعْلِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.قُلْت: هَذَا تَقْصِيرٌ مِنْهُ، فَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ بِلَفْظِ مُسْلِمٍ، كِلَاهُمَا عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: «اسْتَقْبَلْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ قَدِمَ مِنْ الشَّامِ، فَلَقِينَاهُ بِعَيْنِ التَّمْرِ، فَرَأَيْته يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ، وَوَجْهُهُ مِنْ ذَا الْجَانِبِ يَعْنِي عَنْ يَسَارِ الْقِبْلَةِ، فَقُلْت: رَأَيْتُك تُصَلِّي لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ؟ فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ، لَمْ أَفْعَلْهُ»، انْتَهَى.وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى خَيْبَرَ، عَلَى حِمَارٍ يُصَلِّي، يُومِئُ إيمَاءً»، انْتَهَى.وَسَكَتَ عَنْهُ، وَهَذَا لَفْظُ الْكِتَابِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي النَّوَافِلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فِي كُلِّ وَجْهٍ يُومِئُ إيمَاءً، وَلَكِنَّهُ يَخْفِضُ السَّجْدَتَيْنِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ» انْتَهَى.وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ، فَجِئْت، وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ، نَحْوَ الْمَشْرِقِ، السُّجُودُ أَخْفَضُ مِنْ الرُّكُوعِ». انْتَهَى.وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ، فَإِذَا أَرَادَ الْفَرِيضَةَ، نَزَلَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ»، انْتَهَى.
|